كتب/أيمن بحر
اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي والخير الأمني يبدو أن إعلان عودة أطراف أزمة سد النهضة، مصر والسودان وأثيوبيا الى طاولة المفاوضات قد شجع الإتحاد الأوروبى على إعادة تأكيد دور ما له، والذى قد يكون وساطة جديدة. ولكن هل ثمة نية حقيقية وأوراق تؤهل بروكسل لأى دور؟. مصر مياه النيل تمثل 90% من إحتيجاتها لمياه الشرب والرى.هاتف نائب رئيس المفوضية الأوروبية ومفوض شئونها الخارجية جوزيب بوريل الخميس (28 أيار/ مايو 2020)، مفوض السلم والأمن فى الإتحاد الإفريقى إسماعيل شرقى. تركزت المكالمة على تبادل الآراء حول آخر مستجدات قضية سد النهضة. جاء ذلك فى بيان صدر عن الإتحاد الأوروبى وشدد على أن حل الخلاف مهم للإستقرار فى كل المنطقة وأضاف البيان أن بوريل تواصل خلال الأسابيع الماضية مع كل الأطراف وشجعها على تجنب الإستقطاب المتزايد وذكر البيان أن بوريل رحب بقرار السودان وأثيوبيا ومصر إستئناف المحادثات التقنية بين وزراء الموارد المائية. كما شدد بوريل على أهمية تجنب أى تصعيد آخر وإيجاد حل عاجل يحقق مصالح الأطراف كلها. وختم البيان بتأكيد "إستعداد الإتحاد الأوروبى لدعم الأطراف فى مسعاها وتبادل خبرات الإتحاد الأوروبى معها
المكالمة الهاتفية جاءت كما يبدو واضحاً من نص البيان بعد إعلان السودان ومصر الموافقة على إستئناف التفاوض وتكليف وزراء المياه فى الدول الثلاث للبدء فى ترتيبات العودة إلى التفاوض بأسرع فرصة ممكنة الإعلان الأخير جاء إستكمالاً لمشوار طويل من المفاوضات تخلله الكثير من النكسات والإنقطاعات. منذ شروع أثيوبيا فى بناء السد عام 2011 دخلت الدول الثلاث فى مفاوضات للإتفاق حول الحد من تأثير السد الأثيوبى على كل من السودان ومصر اللتان تخشيان من تراجع إمداداتهما من مياه النيل.وفى شباط/ فبراير الماضى الولايات المتحدة الأمريكية الأميركية تقدمت بإتفاق مقترح لإنهاء النزاع لكن أثيوبيا رفضت التوقيع.
وفى 12 مايو/ أيار الجارى رفض السودان مقترحاً أثيوبياً بتوقيع إتفاق جزئى حول ملء بحيرة سد النهضة المتوقع أن يبدأ فى تموز/ يوليو القادم. ونقلت وزارة الرى والزراعة السودانية عن رسالة من عبد الله حمدوك رئيس الوزراء الى أبى أحمد رئيس الوزراء الاثيوبى: إعتبر أن توقيع أى إتفاق جزئى للمرحلة الأولى لا يمكن الموافقة عليه نظراً لوجود جوانب فنية وقانونية يجب تضمينها فى الإتفاق (...) إن معظم القضايا تحت التفاوض وأهمها آلية التنسيق وتبادل البيانات وسلامة السد والآثار البيئية والإجتماعية مرتبطة إرتباطاً وثيقاً ليس فقط بالملء الأول وإنما بكل مراحل الملء والتشغيل طويل المدى وبالتالى لا يمكن تجزئتها
وتعد تعبئة خزّان السد القادر على إستيعاب 74 مليار متر مكعّب من المياه بين أبرز النقاط العالقة. وتخشى القاهرة أن تسرّع أديس أبابا عملية ملء الخزّان، ما من شأنه أن يخفض تدفق المياه الى مصب النهر، وبالتالى على حصتها من المياه البالغة 55.5 مليار متر مكعب. أى تحرك للإتحاد الأوروبى بشأن سد النهضة يتوقف على مواقف الدول الكبرى فيه وخاصة فرنسا والمانيا وإيطاليا. ويرى الدكتور خطار أبو دياب، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة باريس، أن الدخول الأوروبى على الخط مجدداً إستطلاعي وقد لا يكون بالضرورة ناسخاً للوساطة الأميركية. ويضيف الخبير فى شئون الشرق الأوسط فى حديث مع DW عربية: قد تكون الوساطة ممكنة فى حال تم تنسيقها بين الإتحاد الأوروبى ونظيره الأفريقى، وخاصة أن مقر الإتحاد الأفريقى فى أثيوبيا
هذا وكان كبير مفاوضى السودان حمد صالح قد أشار قبل حوالى أسبوعين الى تحركات سودانية لاستئناف التفاوض بـ مرجعية واشنطن الخبير السياسى والباحث فى جامعة برلين الحرة، الدكتور تقادم الخطيب يذكّر بوساطة الإتحاد الأوروبى فى نفس الملف عام 2014 ويتسأل عن أسباب فشل الجهود الأوروبية آنذاك. كما يشير فى حديثه مع DW عربية الى مساهمة شركات لدول فى الإتحاد الأوروبى فى أعمال تشييد السد كشركة سالينى الإيطالية. ويتفق الباحثان بالرأى أن التحرك الأوروبى حيوى لجهة حماية مصالحه من تداعيات أى توتر أو إنفجار مستقبلى خاصة فى ملفى اللجوء والإرهاب وتخشى مصر أن يؤثر المشروع على إمداداتها من النيل الذى يوفر 90 فى المائة من المياه التى تحتاج اليها للشرب والرى. وأى أزمة إقتصادية جديدة فى مصر قد ينتج عنها موجات هجرة بإتجاه "الفردوس الأوروبى ويعتقد أبو دياب أن الجانب الأوروبى هو الأكثر حيادية" مقارنة بالروسى أو الصينى أو الأميركى. ولكنه يشدد على أن أى تحرك للإتحاد الأوروبى يتوقف على مواقف الدول الكبرى فيه وخاصة فرنسا وألمانيا وإيطاليا والأخيرة لها تاريخ إستعماري فى أثيوبيا وتبلغ تكلفة بناء سد النهضة الذي يقام على النيل الأزرق، الفرع الرئيسى لنهر النيل 6 مليارات دولار. ويتردد أن بنوكاً صينية تساهم فى تمويل إشادة السد. تقادم الخطيب يرى أن نجاح أى وساطة محتملة تتطلب توافر النية الحقيقة وتوظيف أوراق الضغط الأوروبية كقضية الشركة الإيطالية وعلاقات برلين القوية بأديس أبابا للضغط على أثيوبيا وخاصة فى المشاريع التنموية لتحديث الرى هناك وترى إثيوبيا أن السد ضرورى من أجل تزويدها بالكهرباء وعملية التنمية. وقبل أسبوع قال وزير المياه والرى والطاقة الإثيوبى سيليشى بقيلا إن عملية بناء السد وصلت الى 73%.. يبقى السؤال: هل ينجح الإتحاد الأوروبى فى إحداث إختراق فى ملف سد النهضة وتأكيد وجوده فى إفريقيا؟ تجربة أدوار الإتحاد الباهتة فى المنطقة لا تبشر بالخير. حيث لم يستطع من خلال الرباعية الدولية التى شُكلت عام 2002 فى مدريد من الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبى للمساهمة فى عملية السلام بين العرب وإسرائيل أن يترك أى بصمة تبقى فى ذاكرة التاريخ. الدور غير الفعال لبروكسل فى محاولة إنقاذ الإتفاق النووى الإيرانى بعد سحب الرئيس الأميركى دونالد ترامب بلاده منه يشير الى نفس النتيجة. التطور الدراماتيكى على الأرض الذى كُشف عنه كان إعلان الجيش السودانى مقتل ضابطٍ وجرح آخرين فى هجوم نفذته الخميس ميلشيات أثيوبية على الجانب السودانى من الحدود مستجد قد يعيد خلط أوراق اللعبة ويرجع جهود السلام والوساطة الى نقطة الصفر.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق