سنواتٌ تمضي تلوَ السنواتِ، وَ قلوبُنا نحنُ الأَتقياءُ الأَنقياءُ ليسَ لها إِلَّا الله ملاذاً آمِناً تلتئِمُ جراحُها فيهِ، ها نحنُ على أَعتابِ السنةِ الميلاديَّةِ الجديدةِ (2020)، وَ لا تزالُ مُجتَمعاتُنا تتهاوى يوماً تلوَ يَومٍ نحوَ قاعِ الرذيلةِ الأَخلاقيَّةِ بأَقبحِ أَشكالها، ما بينَ حقدٍ، وَ حسَدٍ، وَ غيرةٍ، وَ ضغينةٍ، وَ نِفاقٍ، وَ دَجَلٍ، وَ مُتاجَرَةٍ بالأَغراضِ وَ الأَمراضِ وَ الأَعراض! عقولٌ باعت نفسَها لسُفهاءٍ دَجَلَةٍ كاذبينَ مُتأَسلمينَ غيرَ مُسلمينَ، يظنُّهُم الجاهِلونَ أَنَّهُم على دِينِ الإِسلامِ الأَصيلِ، وَ ما هُم إِلا على دينِ الكَذبِ وَ الغَدرِ وَ الخيانةِ، ليسَ ذلكَ الظنِّ الواهِم إِلَّا؛ لِمُجَرَّدِ أَنَّ هؤلاءِ السُفهاءَ يرتدونَ العَمائمَ وَ يُطيلونَ اللحى وَ يُصدِرونَ فتاواهُم؛ ساعينَ بذلك اِستعبادَ النَّاسِ بشتَّى الوسائلِ الْمُتاحَةِ وَ غيرِها، فإِذا بالقَتلِ وَ الْظُلمِ وَ كُلّ ما لَم يُنزِل بهِ اللهُ سُلطاناً، يتفشَّى في مُجتمعاتِنا بتسارُعٍ مُخيفٍ! وَ النتيجَةُ هي:
- أَطفالٌ يتامى!
- أَرامِلٌ تَفتَقِدُ الْمُعيلَ وَ الْمُعينَ وَ الحامي الأَمين!
- فُقراءٌ يتضوَّرونَ جوعاً يتسوَّلونَ على قارعةِ الطَريق!
- شَبابٌ ذو طاقاتٍ جَبَّارةٍ تتقاتلُ معَ الحياةِ مِن أَجلِ هجرةِ أَوطانهِا إِلى بُلدانِ الآخرين!
- شابَّاتٌ أَجمَلُ مِنَ الورودِ وَ الأَزهارِ يَبكينَ سِرَّاً لفُقدانهنَّ حنانَ الأُخوَّةِ وَ الأُبوَّةِ وَ الشَريكِ الأَمينِ!
- قلوبٌ تتداعى بجِراحِها المؤلمةِ الحزينةِ القاتلة!
- آمالٌ مَوءُودَةٌ تُجِبرُ أَصحابَها على الانتحارِ أَو الارتماءِ في أَحضانِ الإِلحادِ بالخالقِ العَظيم!
أُسرَةٌ إِنسانيَّةٌ نحنُ وَ أَغلَبُ مَن فيها قَدِ انسلَخَ مِن إِنسانيِّتهِ اِنسلاخاً تامَّاً لا رجوعَ عنهُ مُطلَقاً؛ فباتَ الأَغلَبُ هذا يتقنَّعُ بقِناعِ الإِنسانِ وَ هُوَ في داخلهِ مِسخٌ يَعيثُ في الموجودِ فساداً وَ إِفساداً دُونَ رادعٍ يمنعهُ عَن ذلكَ!
- إِلى أَيِّ درجةٍ وصلَتْ فيها مُجتمعاتُنا مِنَ الانحِطاطِ الأَخلاقيِّ القميءِ؟!
غالبيَّةُ مَن في مُجتمَعاتِنا، باتوا يؤمِنونَ بأَفكارٍ غيرِ منطقيَّةٍ أَبداً، لِمُجرَّدِ أَنَّ كهنةَ المعابدِ الْمُتأَسلمينَ لا الْمُسلمينَ ادَّعوا لَهُم أَنَّ هذهِ الأَفكارَ هيَ الصِّراطُ المستقيم! فأَمسَت سلوكيِّاتُ هؤلاءِ الضالِّينَ الْمُضلِّينَ وَ مَن حَذا حَذوَهم، تؤتي ثِمارها لأُولئك الكهنةِ الأَدعياءِ، بانتشارِ الفوضى بشتَّى أَشكالها، اِنطلاقاً مِنَ الفوضى الفكريَّةِ، وَ مروراً بالفوضى الأَخلاقيَّةِ، وَ انتهاءً بفوضى العواطفِ وَ المشاعرِ وَ الأَحاسيس!
قالوا يُخادِعونَ النَّاسَ بذلكَ:
- "لا تكرَه شيئاً اِختارَهُ اللهُ لك؛ فعلى البلاءِ تؤجَرُ، وَ على المرضِ تؤجَرُ، وَ على الفَقدِ تؤجَرُ، وَ على الصبرِ تؤجَرُ، فَرَبُّ الْخَيرِ لا يأَتي إِلَّا بخيرٍ".
فقلتُ مُصَحِّحاً:
- إِذا كانَ اللهُ هُوَ الّذي يَختارُ لنا نتائجَ الأَشياءِ؛ كما يَدَّعونَ، فلماذا إِذاً يُحاسِبُنا يومَ القيامةِ؟!
- وَ لِماذا أَعطانا عقولَنا؟!
- فَقَط لنستوعِبَ بها مناهجَ الدراسةِ الأَكاديميَّةِ؟!!
يا أَيُّها الْمُدَّعونَ! نحنُ أُمَّةٌ تَقتدي بقائِدِنا الْحَبيبِ (جَدِّيَ) المصطفى الهاشميّ نبيّ الله (روحي لَهُ الفِداءُ)، وَ قَد عَلَّمنا الصادِقُ الأَمينُ أَنَّ اللهَ بالعَقلِ يُثيبُ، وَ بالعَقلِ يُعاقِبُ أَيضاً؛ لأَنَّ الاختيارَ بما يخصُّنا هُوَ اِختيارُنا نحنُ وَ ليسَ اختيارَ الله.
وَ قالَ أَحَدُ الْمَخدوعينَ بهؤلاءِ الْمُخادعينَ:
- "إِلهي! رجوتُكَ ثلاثاً لا تجعلها بيدِ مخلوقٍ: سعادتي، رزقي، وَ حاجتي"..
فقُلتُ مُصَحِّحاً:
- دُعاؤكَ هذا غيرُ مُستجابٍ قطعاً؛ لأَنَّ الثلاثةَ لا بُدَّ لها مِن مخلوقٍ أَو مَخلوقاتٍ حَتَّى تتحقَّقَ على أَرضِ واقِعك الْمُعاش.
فقالَت إِحدى الأَخواتِ رَدَّاً على تصحيحيَ هذا:
- "إِذا سمحتَ لي في الإِيضاحِ، المخلوقاتُ هُنا هُم مُجرَّدُ أَسبابٍ عَن طَريقِها تتحَقَّقُ إِرادَةُ اللهِ سُبحانهُ وَ تعالى، فَيجِبُ أَن يكونَ تعلُّقُنا دَوماً بمُسَبِّبِ الأَسبابِ وَ ليسَ الأَسباب نفسها، وَ لا يُمكِنُ أَن نقطَعَ بقبولِ أَو عدَمِ قبولِ أَيِّ دُعاءٍ؛ لأَنَّ القبولَ وَ عدم القبول وَ الاستجابةَ وَ عدم الاستجابة بيدِ اللهِ وحدهُ سُبحانهُ وَ تعالى؛ لأَنَّهُ وحدهُ الْمُطَّلِعُ على النوايا وَ الخفايا. دُمتُم بخيرٍ".
فقلتُ مُجيباً لها جواباً مُفحِماً أَسكتَها عَنِ الرَدِّ وَ الكَلامِ في الموضوعِ محلّ التصحيحِ هذا:
- وِفقَ إِيضاحكِ يا أُختي الغالية، فنحنُ مُسَيِّرونَ لا مُخَيَّرونَ، وَ بهذا تنتَفي الجَنَّةُ وَ النَّارُ معاً؛ فلا داعٍ لثوابٍ أَو عِقابٍ؛ لأَنَّ اللهَ كما تقولينَ هُوَ مُسَبِّبُ الأَسبابِ، بما فيها أَسبابُ الفَقرِ وَ القَتلِ وَ الاضطِهادِ الّذي مرَّت فيهِ وَ لا تزالُ تُعانيهِ البشريَّةُ حتَّى يومِنا هذا.
وَ ادَّعى الْمُخادِعونَ أَيضاً:
- أَنَّ اللهَ تعالى يُعاقِبُ الزَّانيةَ وَ الزَّاني في القَبرِ كُلُّ واحدٍ مِنهُما عَن كُلِّ زنيةٍ منِهُما بنصفِ عَذابِ هذهِ الأُمَّةِ!
فقُلتُ مُصَحِّحاً:
- هل مِنَ العَدالَةِ أَن يُعاقِبَ اللهُ زانيةً أَو زانٍ؛ لأَجلِ عملٍ خاطئٍ مِنهُما، سواءٌ كانَ مرَّةً واحِدةً أَو حتَّى مرَّاتٍ كثيرةٍ، بنصفِ عَذابِ هذهِ الأُمَّةِ؟!
كُلُّ ما جاءَ في كَلامٍ يخصُّ عذابَ الزَّانيةِ وَ الزَّاني في القبرِ هيَ أَساطيرٌ تناقلَها مؤلِّفونَ غيَر مُتخصِّصينَ في عِلمِ اللاهوتِ وَ هيَ ما بينَ كَذِبٍ؛ صاغَهُ آخَرونَ بهدَفِ الترهيبِ، وَ ما بينَ نظَرٍ وَ تأَمُّلٍ يُضفيانِ إِلى دَحضِ الكَثيرِ مِنهُ، فلا تُحاوِلوا هِدايةَ النَّاسِ بالأَكاذيبِ الّتي تُشوِّهُ دِينَ اللهِ الأَصيلِ؛ فإِنَّكُم تعمَلونَ على نِفرَةِ الخَلقِ مِنهُ لا تقريبهم إِليهِ، بالعَقلِ الّذي وَهَبَنا اللهُ نعلَمُ أَينَ الحَقُّ وَ أَينَ الحَقيقة.
وَ ادَّعى الْمُخادِعونَ أَيضاً:
- أَنَّ المرأَةَ الْمُحجَّبَةَ تدخُلُ الجنَّةَ حتَّى وَ إِن كانت تحمِلُ ذنوباً كثيرةً؛ إِذ سيغفرُ اللهُ ذنوبها لأَنَّها التزمَت بالحِجابِ، وَ أَمَّا المرأَةُ الْمُتبَرِّجَةُ فَمصيرُها نارُ جهنَّمَ لا محالة!
فقُلتُ مُصحِّحاً:
- ما يقولُهُ الْمُخادِعونَ هُوَ كَلامٌ لا صحَّةَ فيهِ مُطلقاً، مُجرَّدُ تحريضٍ على الوَهمِ وَ الانجِرارِ وراءَ أَكاذيبِ كهنةِ المعابدِ سُفهاءِ الدِّين الْمُتأَسلمينَ لا الْمُسلمين، دينُ اللهِ هُوَ الإِنسانيَّةُ وَ لا عَلاقَةَ للإِنسانيَّةِ بهذهِ الْخُزَعبَلاتِ، فَكَم مِن اِمرأَةٍ مُحَجَّبَةٍ تُصلِّي وَ تقرأُ القُرآنَ أَمامَ الآخَرينَ وَ هيَ تعمَلُ عاهِرَةً في جُنحِ الظَلامِ، وَ كَم مِن اِمرأَةٍ مُتَبَرِّجَةٍ لا تُصلِّي وَ لا تَقرأُ القُرآنَ مُطلَقاً وَ هيَ أَطهَرُ مِنَ الشَّرَفِ ذاتهِ في كُلِّ زمانٍ وَ في كُلِّ مكانٍ، تقوى اللهِ في القُلوبِ لا في مظاهرِ الإِنسان.
وَ ادَّعى الْمُخادِعونَ أَيضاً:
- أَنَّ الدُّعاءَ وحدَهُ دُونَ العَملِ كَفيلٌ بزوالِ الظُلمِ عَنِ الْمَظلومينَ وَ سَبيلٌ أَكيدٌ لإِرجاعِ الحقوقِ إِلى أَصحابها الّتي سُلِبَتْ منهُم بالحيلَةِ أَوِ القُوَّة!
فقُلتُ مُصَحِّحاً:
- مُخادِعونَ أُولئكَ الّذينَ يُتاجرونَ باللهِ بذريعةِ أَنَّ فرجَهُ قريبٌ لِمَن تمسَّكَ بالدُّعاءِ إِليهِ دُونَ أَن يعملَ على تَحقيقِ غاياتهِ مُطلَقاً، لا فَرَجَ مِنَ اللهِ لِمَن دَعاهُ دُونَ أَن يعملَ الداعي على تحقيقِ ما يُريدُهُ هُوَ، بنفسهِ هُوَ، قبلَ أَحدٍ غيرَهُ سِواهُ، هذا الادِّعاءُ بالفَرَجِ على الشاكلةِ هذهِ هُوَ كَذِبٌ في كَذبٍ فَقط؛ فالْمُسلِمونَ وَ الْمُسلِماتُ مُنذُ قُرونٍ طويلةٍ وَ هُم في ضيقٍ وَ عُسرٍ دُونَ يُسرٍ، وَ مِن سيِّئٍ إِلى أَسوَءٍ، فأَينَ الفَرَجُ الّذي يَخدَعونَ بهِ الآخَرينَ؟!
- ما أَخذوهُ مِنَّا بالحِيلَةِ أَوِ القُوَّةِ لَن يَرجِعَ إِلينا إِلَّا بالقُوَّةِ فَقَط، وَ ليسَ للهِ دَخلٌ بهذهِ الأُمورِ؛ فهَل دافعَ اللهُ عَن سيِّدنا عُمُر بن الخَطَّاب أَو عَليٍّ بن أَبي طالبٍ (عليهِما السَّلامُ وَ روحي لَهُما الفِداءُ) عِندما تعَرَّضا للاغتيالِ غَدراً على يدِ أَعداءِ الله؟!!
وَ القُوَّةُ تبدأُ مِن ثقتِنا باللهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ بأَنفُسِنا وَ بتلاحُمِنا جميعاً تحتَ قيادَةِ قائدِنا الصادق الأَمينِ مُحمَّد بن عبد اللهِ الهاشميِّ (جَدِّيَ الْحَبيب، عليهِ السَّلامُ وَ روحي لَهُ الفِداءُ)، الّذي أَوضحَ لنا سُبلَ الصِّراطِ الْمُستقيمِ وَ قواعِدَ الْمَنهجِ القَويمِ، فأَوصانا بوصاياهُ الّتي هيَ الكَمالُ بتمامهِ وَ كمالهِ، وَ دُونهُ هُوَ النقصانُ لا محالة، وَ مِمَّا أَوصانا بهِ قالَ عليهِ السَّلامُ وَ روحي لَهُ الفِداءُ:
- "لا تحاسَدوا، وَ لا تناجَشوا، وَ لا تباغضوا، وَ لا تدابروا، وَ لا يَبع بعضُكُم على بَيعِ بعضٍ، وَ كونوا عِبادَ اللهِ إِخواناً، الْمُسلِمُ أَخو الْمُسلمِ، لا يَظلِمهُ وَ لا يخذلهُ وَ لا يَحقِرهُ، التَّقوى ها هُنا (وَ أَشارَ إِلى صدرهِ الشَّريفِ ثلاثَ مرَّاتٍ روحي لَهُ الفِداءُ) بحسبِ امرئٍ مُسلمٍ مِنَ الشَرِّ أَن يَحقِرَ أَخاهُ الْمُسلم، كُلُّ الْمُسلمِ على الْمُسلمِ حَرامٌ، دَمُهُ، وَ مالُهُ، وَ عِرضُهُ".
[رواهُ الإِمامُ مُسلمٌ رضيَ اللهُ عنهُ وَ أَرضاهُ].
وَ قالَ الْمُصطفى الصادِقُ الأَمينُ روحي لَهُ الفِداءُ:
- "اِتَّقوا الْظُلمَ؛ فإِنَّ الْظُلمَ ظُلُماتٌ يَومَ القيامَةِ، وَ اتَّقوا الشُّحَّ؛ فإِنَّ الشُّحَّ أَهلَكَ مَن كانَ قبلَكُم، حَمَلَهُم على أَن يَسفِكوا دِماءَهُم وَ استَحَلّوا محارِمَهُم".
[رواهُ الإِمامُ مُسلمٌ رضيَ اللهُ عنهُ وَ أَرضاهُ].
وَ قالَ عليهِ السَّلامُ وَ روحي لَهُ الفِداءُ في خطبتهِ الأَخيرَةِ بحَجَّةِ الوَداع:
- "أَيُّها النَّاسُ! إِنَّ دِماءَكُم وَ أَعراضَكُم حَرامٌ عَليكُم إِلى أَن تَلقوا رَبَّكُم كَحُرمَةِ يومِكُم هذا في شَهرِكُم هذا في بلدِكُم هذا، أَلا هَل بلَّغتُ؟ اللّهُمَّ فاشَهد، فمَن كانت عِندَهُ أَمانةٌ فليؤدِّها إِلى مَنِ اِئتمَنهُ عليها"...
- "أَيُّها النَّاسُ! إِنَّما المؤمنونَ إِخوَةٌ، وَ لا يَحِلُّ لامرئٍ مالاً لأَخيهِ إِلَّا عَن طِيبِ نفسٍ مِنهُ، أَلا هَل بلَّغتُ؟ اللّهُمَّ فاشَهد"...
- "فلا ترجِعن بعديَ كُفَّاراً يَضرِبُ بعضُكُم رِقابَ بعضٍ؛ فإِنِّي قَد تركتُ فيكُم ما إِن أَخذتُم بهِ لَن تضلِّوا بعدَهُ: كِتابَ اللهِ وَ سُنَّةَ نبيِّهِ، أَلا هل بلَّغتُ؟ اللّهُمَّ فاشهَد"...
- "أَيُّها النَّاسُ! إِنَّ رَبَّكُم واحِدٌ، وَ إِنَّ أَباكُم واحِدٌ، كُلُّكُم لآدَمَ، وَ آدَمُ مِن تُرابٍ، إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقاكُم، ليسَ لِعَربيٍّ فضلٌ على أَعجمَيٍّ إِلَّا بالتَّقوى، أَلا هَل بلّغتُ؟ اللّهُمَّ فاشهَد".
وَ النَّاسُ هُمُ النَّاسُ، بغضِّ النظرِ عَن عِرقِهم أَو انتمائِهم أَو عقيدتهم، هُمُ البشرُ جميعاً الّذينَ قصَدهُم الصادِقُ الأَمينُ روحي لَهُ الفِداءُ، وَ إِلى النَّاسِ جميعاً وجَّهَ النبيُّ الحَبيبُ وصاياهُ، لنعلَمَ الحقائقَ وَ نكونَ كما يُريدُنا الأَنبياءُ جميعاً أَن نكونَ (عليهِمُ السَّلامُ جميعاً وَ روحي لَهُم الفِداءُ): أُسرةً واحِدةً مُتعاضِدَةً يُحِبُّ بعضُنا بعضاً حُبَّّاً أَخويَّاً إِنسانيَّاً خالِصاً قُربةً إِلى الله؛ فنتعايشُ بسلامٍ وَ نحيا باستقرارٍ وَ نعيشُ في رَخاءٍ دائمٍ دُونَ انقطاعٍ فيهِ، فقالَ عليهِ السَّلامُ مؤكِّداً:
- "أَيُّها النَّاسُ"!
فهل قالَ الْحَبيبُ الْمُصطفى (روحي لَهُ الفِداءُ):
- (أَيُّها الشيعَةُ)؟!!
- (أَيُّها السُنَّةُ)؟!!!
- (أَيُّها اليهودُ)؟!!!
- (أَيُّها المسيحيِّونَ)؟!!
- (أَيُّها الصابئيِّونَ)؟!!
- (أَيُّها العَربُ)؟!!
- (أَيُّها الأَعاجِمُ)؟!!
- (أَيُّها العَجَمُ)؟!!!
- (أَيُّها الفُلانيِّونَ دُونَ سِواكُم)؟!!
أَم أَنَّهُ عليهِ السَّلامُ قالَ:
- "أَيُّها النَّاسُ"!
النَّاسُ جميعاً، بغضِّ النظرِ عَن أَعراقِهم أَو انتماءاتِهم أَو عقائدِهم أَيَّاً كانت، وَ هلِ الْمُسلِمُ الحَقيقيُّ غيرَ أَن يكونَ موحِّداً بالإِلهِ الخالقِ الْحَقِّ لا سِواهُ، فلا يُفرِّقُ بينَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلقِ إِلا على أَساسِ تقواهُ الله؟!!
- {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَ لاَ نَصْرَانِيّاً وَ لَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ مَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
[القُرآن الكريم: سورة آل عمران/ الآية (67)].
- {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.
[القُرآن الكريم: سورة آل عمران/ الآية (19)].
- {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلاَئِكَتِهِ و َكُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَ قَالُوا سَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ}.
[القُرآن الكريم: سورة البقرة/ الآية (285)].
- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثَى وَ جَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَ قَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
[القُرآن الكريم: سورة/ الآية (13)].
- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}.
وَ ليسَ:
- (أَغناكُم مالاً)!
- (أَكثركُم أَولاداً)!
- (أَكبركُم مكانةً اجتماعيَّةً)!
- (أَعلاكُم درجةً علميَّةً)!
- (أَقدرُكم على امتلاكِ الأَسلحةِ وَ الأَحزابِ وَ صناعةِ الفوضى في البلادِ وَ العباد)!
إِنَّما:
- {أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}.
- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}.
- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}.
- {أَيُّهَا النَّاسُ}.
الوَصلُ إِن لَمْ يَكُن للروحِ أَوَّلاً فعلى الوَصلِ إِذ ذاكَ السَّلامُ، وَ هذا ما يرفضُ غالبيَّةُ النَّاسِ في مُجتمعاتِنا خاصَّةً، على الاقتناعِ بهِ، ناهيك عن رفضهِ جُملةً وَ تفصيلاً جعله مناراً يهتدونَ بهِ في سلوكيِّاتهم معَ الآخرينَ أَيَّاً كانوا، فإِذا بالوصلِ مِنهم يكونُ عن مصلحةٍ شخصيَّةٍ لأَغراضٍ دنيويَّةٍ زائلةٍ لا محالة، مُعتبرينَ أَنَّ الكذبَ وَ الغدرَ وَ الخيانةَ شطارةٌ يتحلّى بها الشُّطَّارُ أَينما يكونونَ، وَ أَنَّ الصِدقَ وَ الوَفاءَ وَ الأَمانةَ حُمقٌ يتحلّى بها الحمقى كيفما يكونونَ، فباتَ الواِحدُ مِنهُم:
- "يلقاكَ يَحلِفُ أَنَّهُ بكَ واثقٌ، وَ إِذا توارى عنكَ فَهُوَ العَقربُ، يُعطيكَ مِن طَرَفِ اللسانِ حَلاوَةً، وَ يروغُ مِنكَ كما يروغُ الثعلبُ"!
[هذانِ البيتانِ للإِمامِ عليٍّ بن أَبي طالبٍ عليهِ السَّلامُ وَ روحي لَهُ الفِداءُ، وَ قدِ اقتبسَهُما بعدَهُ أَكثرُ مِن شاعرٍ، كما اقتبَسَ البيتَ الثاني عددٌ آخَرٌ مِنَ الشُّعراءِ ضِمنَ قصائدهم الشِّعريَّةِ لاحقاً].
وَ إِذ أَنَّ الثعالِبَ باتت كثيرةً في مُجتَمعاتِنا، لذا: فإِنِّني أُفَكِّرُ جديِّاً في الاعتكافِ العلميِّ بعيداً عَنِ الجَميعِ، لأَدخُلَ بذلكَ في صَمتٍ مُطبقٍ عنِ الإِفصاحِ أَو النُّصحِ أَوِ الإِيضاحِ؛ بعدَ أَن وجدتُ مِنَ الآخَرينَ عدمَ التفاعُلِ نهائيِّاً معَ مقالاتيَ هذهِ وَ غيرها؛ حِقداً مِنهُم، أَو حسَداً، أَو خوفاً على مصالِحِهم، أَو لا مُبالاةٍ، أَو إِحساساً مِنهُم بضآلتِهم أَمامَ جبلٍ شاهقٍ مثلي، أَو لسببٍ غيرَ ذلكَ، ناهيك معَ ما وجدتُهُ مِن بعضِهم مِن إِجحافٍ وَ إِساءَةٍ وَ خُذلانٍ قميء، دُونَ أَن يُراعوا حُرمةَ مشاعري العَفيفةِ الطاهرة، وَ دُونَ أَن يرعَوا حَقَّ جهوديَ المبذولةِ مِن أَجلِ الجَميعِ مجَّاناً دُونَ أَن أَطلُبَ لَهُ مقابلاً أَبداً، فيما أَراهُم يتفاعلونَ تفاعُلاً إِيجابيَّاً كبيراً سافِراً مع كتاباتٍ سخيفةٍ هزيلةٍ وضيعةٍ لأَدعياءٍ جاهلين، لا يعرِفونَ شيئاً منَ الحقائقِ مُطلَقاً، وَ لا يفقهونَ قواعدَ العربيَّةَ حَتَّى، لدرجةِ أَنَّهُم ينصبونَ الفاعِلَ مِراراً، وَ يرفعونَ المفعولَ بهِ تِكراراً..
- فهَل هذهِ مُجتَمعاتٌ تستحِقُ التضحيةَ وَ النُّصحَ وَ الإِرشاد؟!!!
لا أَظنُّ ذلكَ أَبداً.
- قِلَّةٌ قليلةٌ جدَّاً هُم الّذينَ يستحقُّونَ ذلك!
وَ إِذ أَنَّنا على أَعتابِ عامٍ ميلاديٍّ جديدٍ، لذا: فأَنا أُوجِّهُ بالغَ الشُكرِ وَ التقديرِ وَ العِرفانِ، إِلى هذهِ القِلّةِ القليلةِ جدَّاً، الّتي تستحِقُّ مِنِّي التضحيةَ وَ النُّصحَ وَ الإِرشادَ، وَ تستحِقُ بجدارةٍ أَن أَكونَ لها خادِماً أَجلبُ لَهُم (وَ لَهُنَّ) النفعَ دُونَ مُقابلٍ، وَ أَدفعُ عنهُم (وَ عنهُنَّ) الضررَ سِرَّاً وَ جَهراً على حَدٍّ سواءٍ، وَ مِن هؤلاءِ الطيِّبينَ وَ الطيِّباتِ على وجهِ التحديدِ الدقيقِ بشكلٍ خاصٍّ، هُم جميعُ أَعضاء الأُسَرِ الطِّيبَةِ الّتي أَفتَخِرُ بأَنَّني عضوٌ فاعِلٌ مِنهُم وَ بينهُم، بدءً مِنَ المسؤولينَ وَ المسؤولاتِ وَ أَصحابِ القرارِ فيها، وَ مروراً بالْمُحرِّرينَ وَ الْمُحرِّراتِ، وَ انتهاءً بالكاتبينَ وَ الكاتباتِ، في الأُسَرِ الغرَّاءِ التاليةِ أَسماؤها (حسبَ التسلسل الأَلف بائيّ للحروف):
(1): جريدة أَخبار تحيا مصر.
(2): جريدة المصريّ الديمقراطيّ.
(3): جريدة النيل الإِخباريّ.
(4): جريدة أَهرام مصر.
(5): جريدة صدى الأُمَّة.
(6): جريدة صدى المختار.
(7): جريدة صوت مصر الْحُرَّة مُباشر.
(8): جريدة مصر العصريَّة.
(9): جريدة وسط البلد.
(10): شبكة النايل الإِخباريَّة.
(11): مجلّة صبايا.
(12): وكالة الأَخبار العالميَّة سونا.
إِلى جميعِ هؤلاءِ الطيِّبينَ وَ الطيِّباتِ بالذاتِ أَقولُ لِكُلِّ واحدٍ مِنهُم:
- كُلُّ عامٍ وَ أَنت بخيرٍ وَ سعادةٍ وَ استقرارٍ وَ رخاءٍ وَ تقدُّمٍ نحوَ الأَفضلِ، سائلاً اللهَ العليَّ القَديرَ أَن يجعلَ السنةَ الجديدة (2020) لك وَ لجميعِ أَحبّائك سنةَ سؤددٍ وَ نجاحاتٍ مُتواصلةٍ دونَ انقطاعٍ، وَ أَن تكونَ سنةَ تحقيقِ جميعِ أُمنياتك؛ ليمتلأَ قلبك الطاهر النقيّ فرحاً وَ سروراً دائمينِ يُضفيانِ على وجهك الفرحةَ الدائمةَ حتَّى الأَبد.
وَ إِلى الْجَميعِ أَيَّاً كانوا، بغضِّ النظرِ عَن مكانتهِم الاجتماعيَّةِ أَو درجتهِم العلميَّةِ الأَكاديميَّةِ، أَو جنسِهم (ذكوراً كانوا أَو إِناثاً)، أَو شكلُهُم، أَو لونُهم، أَوِ الجنسيَّةِ الّتي يحملونها، خاصَّةً مَن هُم في مُجتمعاتِنا الْمَليئةِ بالْمُنافقينَ وَ الْمُنافقاتِ، وَ الكَلامُ الآنَ لا يخصُّ أُولئكَ القِلّةِ القليلةِ الطيِّبةِ مُطلقاً، فإِلى مُجتمعاتِنا هذهِ أَقولُ ما جاءَ في القُرآنِ الكريمِ:
- {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَ كَذَّبَ بِالصِّدقِ إِذ جَاءهُ أَلَيسَ فِي جَهَنَّمَ مَثوًى لِلْكَافِرِينَ، وَ الَّذِي جَاء بِالصِّدقِ وَ صَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ، لَهُم مَا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِم ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحسِنِينَ}.
[القُرآن الكريم: سورة الزمر/ الآيات (30 – 34)].
ثـُمَّ أَقولُ ما قالَهُ في آخِرٍ خُطبةٍ لَهُ في حَجَّةِ الوداعِ، جَدِّيَ النبيُّ الْمُصطفى الصادِقُ الأَمينُ (عليهِ السَّلامُ وَ روحي لَهُ الفِداءُ):
- "أُوصيكُم عِبادَ اللهَ بتقوى اللهِ وَ أَحثــُّكُم على طاعتهِ، وَ أَستَفتِحُ بالّذي هُوَ خَيرٌ، أَمَّا بعدُ، أَيُّها النَّاسُ! اِسمعوا مِنِّي؛ أُبَيِّنُ لَكُم، فإِنِّي لا أَدري، لَعلِّي لا أَلقاكُم بعدَ عاميَ هذا، في موقفي هذا".
أَلا هَل بلَّغتُ؟ اللّهُمَّ فاشَهد.