متابعة/أيمن بحر
لا يمكن لأحد أن يجزم بما ستأول اليه الأمور فى أوكرانيا، وسط تصاعد دخان الحرائق والتفجيرات، وتواصل المعارك فى الشوارع، والساحات، بينما يتابع العالم مأساة عائلات الضحايا والنازحين ويسمع عن التحركات الدبلوماسية بعيداً عن الأضواء.
فما هى التوقعات الأكثر واقعية للطريقة التى ستنتهى بها الحرب؟ وما هى السيناريوهات التى يراها السياسيون والعسكريون؟ من الصعب توقع المستقبل بدقة، ولكن هذه هى المآلات المحتملة أكثر:
يفترض فى هذا السيناريو أن تصعّد روسيا عملياتها العسكرية. فى هذه الحالة قد يزداد القصف العشوائى المدفعى والصاروخى فى مختلف المناطق بأوكرانيا. ويرجح حينها أن تشن القوات الجوية الروسية، التى لم يكن لها دور كبير حتى الآن، غارات مدمرة، وأن تتعرض المؤسسات الأوكرانية الرئيسية الى هجمات الكترونية واسعةـ وأن قطع الإتصالات وموارد الطاقة، يقتل آلاف المدنيين. على الرغم من المقاومة الشرسة، يرجح أن تسقط كييف خلال أيام. تعزل الحكومة وتستبدل بحكومة موالية للنظام فى موسكو. الرئيس زيلينسكى إما أن يغتال أو يهرب لتشكيل حكومة فى المنفى. الرئيس بوتين يعلن النصر ويسحب بعض قواته، تاركاً ما يكفى منها للسيطرة على الأوضاع. آلاف اللآجئين يواصلون الهروب غرباً. وتنضم أوكرانيا الى بيلاروسيا كدولة زبونة لموسكو.
هذا التصوّر ليس مستحيلاً، ولكنه مرتبط بعدد من العوامل، من بينها أن يتحسن أداء القوات الروسية، وأن تفتر عزيمة القتال والمقاومة المذهلة التى أظهرها الأوكرانيون. قد ينجح الرئيس بوتين فى تغيير النظام فى أوكرانيا بعد حملته العسكرية على جارته الغربية. ولكن أى حكومة موالية لروسيا ستكون هزيلة ومعرّضة للتمرّد الشعبى عليها. وسيؤدى هذا الوضع الى حالة من عدم الإستقرار تنذر بإحتمال تجدد النزاع مرة أخرى.
والوجه الآخر من المحتمل أن يتطور هذا النزاع الى حرب طويلة الأمد. فقد تجد القوات الروسية نفسها غارقة فى الوحل بسبب تحطم معنوياتها أو ضعف معداتها أو فشل قياداتها. وقد تستغرق القوات الروسية وقتاً أطول فى السيطرة على المدن مثل كييف، التى يقاتل المدافعون عنها من شارع لشارع، فيؤدى ذلك الى حصار طويل الأمد. ويعيد القتال الى الأذهان الصراع الوحشى الطويل الذى خاضته روسيا فى التسعينيات للسيطرة وتدمير غروزنى عاصمة الشيشان.
وسيناريو آخر وحتى إن تمكنت القوات الروسية من دخول المدن الأوكرانية، فإنها قد تجد صعوبة فى إحكام السيطرة عليها. وقد لا تستطيع روسيا توفير العدد الكافى من القوات لفرض وجودها فى بلاد بهذه الشاسعة. الدفاعات الأوكرانية تتحول الى فرق تمرد فاعلة، مسلحة بالعزيمة ودعم السكان. يواصل الغرب إمداد الأوكرانيين بالأسلحة والذخيرة. وربما تتغير القيادة السياسية فى موسكو بعد سنوات فتغادر القوات الروسية أوكرانيا، منهكة ومدحورة مثلما حدث لها فى 1989 في أفغانستان بعد عشرية كاملة من القتال ضد المتمردين الإسلاميين.
الى تصور أخر قد يسعى الرئيس بوتين الى إستعادة أجزاء من الإمبراطورية الروسية السابقة، فيرسل قواته الى جمهوريات الإتحاد السوفيتى سابقاً، مثل مولدوفا وجورجيا وهما ليستا فى حلف الناتو. وقد يكون الأمر مجرد تصعيد وحسابات خاطئة. وقد يعلن الرئيس بوتين أن إمداد الغرب أوكرانيا بالأسلحة عدوان يتطلب الردّ. قد يهدد بإرسال قواته الى دول البلطيق، التى هى فى حلف الناتو، مثل لتوانيا، وفتح ممر أرضى الى الجيب الروسى الخارجى الساحلى كالينينغراد. وسيكون هذا الأمر بالغ الخطورة وقد ينذر بحرب مع حلف الناتو.
وتنصّ المادة الخامسة ميثاق التكتل العسكرى على أن أى إعتداء على عضو واحد فى الحلف، هى إعتداء على جميع الأعضاء. ولكن الرئيس بوتين قد يجازف بذلك إذا رأى أنه السبيل الوحيد الذى يضمن له البقاء فى السلطة. فإذا شعر بأنه يتجه نحو الهزيمة فى أوكرانيا فإنه سيحاول التصعيد أكثر. ونعرف الآن أن الزعيم الروسى عازم على إنتهاك الأعراف الدولية الثابتة. وينطبق ذلك على الأسلحة النووية. فقد وضع بوتين هذا الأسبوع قواته النووية فى أعلى درجات الإستعداد. ويشكك أغلب المحللين فى أن يعنى هذا إستعمالها المرجح أو الوشيك. ولكنه تذكير بأن العقيدة الروسية تسمح بالإستعمال التكتيكى للأسلحة النووية فى ساحة المعركة.
هل للدبلوماسية حل؟ قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن السلاح نطق الآن، ولكن لابد أن يبقى طريق الحوار مفتوحاً". والحوار متواصل فعلاً، إذ تحدث الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون الى الرئيس بوتين هاتفياً. يقول دبلوماسيون إن الغرب يواصل إستشعار مواقف موسكو. كما أن المسئولين الروس والأوكرانيين أحدثوا مفاجأة عندما التقوا لإجراء محادثات على الحدود مع بيلاروسيا. وإن كانت المحادثات لم تحقق أى تقدم فإن بوتين على الأقل قبل بإحتمال التفاوض على وقف إطلاق النار.
دور للنووى، سقوط مدينة خيرسون بيد روسيا ولافروف يقول إن حرباً عالمية لن تكون الا نووية الرئيس الأوكرانى زيلينسكى يحذر من ستار حديدى جديد يعزل روسيا عن العالم المتحضر"
السؤال الأساسى المطروح هو إذا كان الغرب على إستعداد لتقديم ما يسميه الدبلوماسيون مخرجاً من الطريق السريع. ويقول الدبلوماسيون إنه على بوتين أن يعى متطلبات رفع العقوبات الغربية من أجل التوصل الى إتفاق يحفظ ماء الوجه.
فلنتخيل هذا السيناريو: الحرب تنقلب على روسيا. والعقوبات يزيد وقعها على موسكو. والمعارضة تتعزز مع وصول المزيد من جثمانين الضحايا الى البلاد. والرئيس بوتين يتسائل ما إذا كان وضع نفسه فى ورطة. ويرى أن مواصلة الحرب تحمل تهديداً لسلطته أكبر مما تحمله مذلة إنهائها. الصين تتدخل وتضغط على موسكو من أجل قبولها بتنازلات، مهددة بأنها لن تشترى الغاز والنفط من روسيا ما لم تخفف من حدة التوتر. وهذا يدفع بوتين الى البحث عن مخرج.
تنازل المهزوم، فى الوقت نفسه يشاهد المسئولون الأوكرانيون التدمير المتواصل لبلادهم، ويقتنعون بأن التنازلات السياسية أفضل من الدمار وزهق الأرواح. فيتدخل الدبلوماسيون ويتوصلون الى إتفاق. يقبل الأوكرانيون مثلاً بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم، وعلى أجزاء من إقليم دونباس. وفى المقابل يقبل بوتين بإستقلال أوكرانيا وتعميق روابطها بأوروبا. هذا لا يبدو مرجحاً، ولكن ليس من المستبعد أن يخرج مثل هذا الإتفاق من رحم الأنقاض التى تركها النزاع الدموى.
ولكن ماذا عن فلاديمير بوتين نفسه؟ صرح الرئيس الروسى عندما أطلق العملية العسكرية: نحن مستعدون لأى نتيجة كانت. ولكن ماذا لو كانت النتيجة أن يفقد السلطة؟ يبدو الأمر بعيداً عن التصور. ولكن العالم تغير فى الأيام الأخيرة، ومثل هذه الأمور يجرى التفكير فيها فعلاً. فقد كتب البروفيسور السير لورنس فريدمن، أستاذ الدراسات الحربية فى كينغز كوليدج فى لندن: "تغير النظام محتمل اليوم فى موسكو مثلما هو محتمل فى كييف. لماذا يقول مثل هذا الكلام؟ ربما لأن بوتين يخوض حرباً كارثية. فآلاف الجنود الروس يموتون. ربما هناك مخاطر بإندلاع ثورة شعبية. ويلجأ بوتين الى قوات الأمن الداخلى لقمع هذه الثورة. ولكن الأمور قد تنفلت من يديه، فينقلب عليه عدد كاف من السياسيين والعسكريين والنخبة.
يقول الغرب إذا رحل بوتين وحل محله قائد معتدل فإن العقوبات ستخفف عن روسيا وتعود العلاقات الدبلوماسية الى طبيعتها مع موسكو. وقد يحدث إنقلاب عسكرى دموى فيترك بويتن السلطة. ولا يبدو هذا الأمر أيضاً مرجحاً الآن. ولكنه ليس مستبعداً إذا شعر الأشخاص المستفيدون من بوتين بأنه لم يعد قادراً على حماية مصالحهم.
السيناريوهات المطروحة لا تتناقض مع بعضها، ويمكن أن تتقاطع وتؤدى الى نتيجة مختلفة. ولكن مهما كانت الطريقة التى تنتهى بها هذه الحرب فإن العالم تغير بعدها، ولن يعود الى ما كان عليه من قبل. فعلاقة روسيا بالخارج ستكون مختلفة. وسيكون تعامل الأوروبيين مع القضايا الأمنية مختلفاً. فقد إكتشف النظام الدولى المبنى على القوانين حقيقة الوظيفة التى أنشئ من أجلها فى بادىء الأمر.
لا يمكن لأحد أن يجزم بما ستأول اليه الأمور فى أوكرانيا، وسط تصاعد دخان الحرائق والتفجيرات، وتواصل المعارك فى الشوارع، والساحات، بينما يتابع العالم مأساة عائلات الضحايا والنازحين ويسمع عن التحركات الدبلوماسية بعيداً عن الأضواء.
فما هى التوقعات الأكثر واقعية للطريقة التى ستنتهى بها الحرب؟ وما هى السيناريوهات التى يراها السياسيون والعسكريون؟ من الصعب توقع المستقبل بدقة، ولكن هذه هى المآلات المحتملة أكثر:
يفترض فى هذا السيناريو أن تصعّد روسيا عملياتها العسكرية. فى هذه الحالة قد يزداد القصف العشوائى المدفعى والصاروخى فى مختلف المناطق بأوكرانيا. ويرجح حينها أن تشن القوات الجوية الروسية، التى لم يكن لها دور كبير حتى الآن، غارات مدمرة، وأن تتعرض المؤسسات الأوكرانية الرئيسية الى هجمات الكترونية واسعةـ وأن قطع الإتصالات وموارد الطاقة، يقتل آلاف المدنيين. على الرغم من المقاومة الشرسة، يرجح أن تسقط كييف خلال أيام. تعزل الحكومة وتستبدل بحكومة موالية للنظام فى موسكو. الرئيس زيلينسكى إما أن يغتال أو يهرب لتشكيل حكومة فى المنفى. الرئيس بوتين يعلن النصر ويسحب بعض قواته، تاركاً ما يكفى منها للسيطرة على الأوضاع. آلاف اللآجئين يواصلون الهروب غرباً. وتنضم أوكرانيا الى بيلاروسيا كدولة زبونة لموسكو.
هذا التصوّر ليس مستحيلاً، ولكنه مرتبط بعدد من العوامل، من بينها أن يتحسن أداء القوات الروسية، وأن تفتر عزيمة القتال والمقاومة المذهلة التى أظهرها الأوكرانيون. قد ينجح الرئيس بوتين فى تغيير النظام فى أوكرانيا بعد حملته العسكرية على جارته الغربية. ولكن أى حكومة موالية لروسيا ستكون هزيلة ومعرّضة للتمرّد الشعبى عليها. وسيؤدى هذا الوضع الى حالة من عدم الإستقرار تنذر بإحتمال تجدد النزاع مرة أخرى.
والوجه الآخر من المحتمل أن يتطور هذا النزاع الى حرب طويلة الأمد. فقد تجد القوات الروسية نفسها غارقة فى الوحل بسبب تحطم معنوياتها أو ضعف معداتها أو فشل قياداتها. وقد تستغرق القوات الروسية وقتاً أطول فى السيطرة على المدن مثل كييف، التى يقاتل المدافعون عنها من شارع لشارع، فيؤدى ذلك الى حصار طويل الأمد. ويعيد القتال الى الأذهان الصراع الوحشى الطويل الذى خاضته روسيا فى التسعينيات للسيطرة وتدمير غروزنى عاصمة الشيشان.
وسيناريو آخر وحتى إن تمكنت القوات الروسية من دخول المدن الأوكرانية، فإنها قد تجد صعوبة فى إحكام السيطرة عليها. وقد لا تستطيع روسيا توفير العدد الكافى من القوات لفرض وجودها فى بلاد بهذه الشاسعة. الدفاعات الأوكرانية تتحول الى فرق تمرد فاعلة، مسلحة بالعزيمة ودعم السكان. يواصل الغرب إمداد الأوكرانيين بالأسلحة والذخيرة. وربما تتغير القيادة السياسية فى موسكو بعد سنوات فتغادر القوات الروسية أوكرانيا، منهكة ومدحورة مثلما حدث لها فى 1989 في أفغانستان بعد عشرية كاملة من القتال ضد المتمردين الإسلاميين.
الى تصور أخر قد يسعى الرئيس بوتين الى إستعادة أجزاء من الإمبراطورية الروسية السابقة، فيرسل قواته الى جمهوريات الإتحاد السوفيتى سابقاً، مثل مولدوفا وجورجيا وهما ليستا فى حلف الناتو. وقد يكون الأمر مجرد تصعيد وحسابات خاطئة. وقد يعلن الرئيس بوتين أن إمداد الغرب أوكرانيا بالأسلحة عدوان يتطلب الردّ. قد يهدد بإرسال قواته الى دول البلطيق، التى هى فى حلف الناتو، مثل لتوانيا، وفتح ممر أرضى الى الجيب الروسى الخارجى الساحلى كالينينغراد. وسيكون هذا الأمر بالغ الخطورة وقد ينذر بحرب مع حلف الناتو.
وتنصّ المادة الخامسة ميثاق التكتل العسكرى على أن أى إعتداء على عضو واحد فى الحلف، هى إعتداء على جميع الأعضاء. ولكن الرئيس بوتين قد يجازف بذلك إذا رأى أنه السبيل الوحيد الذى يضمن له البقاء فى السلطة. فإذا شعر بأنه يتجه نحو الهزيمة فى أوكرانيا فإنه سيحاول التصعيد أكثر. ونعرف الآن أن الزعيم الروسى عازم على إنتهاك الأعراف الدولية الثابتة. وينطبق ذلك على الأسلحة النووية. فقد وضع بوتين هذا الأسبوع قواته النووية فى أعلى درجات الإستعداد. ويشكك أغلب المحللين فى أن يعنى هذا إستعمالها المرجح أو الوشيك. ولكنه تذكير بأن العقيدة الروسية تسمح بالإستعمال التكتيكى للأسلحة النووية فى ساحة المعركة.
هل للدبلوماسية حل؟ قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن السلاح نطق الآن، ولكن لابد أن يبقى طريق الحوار مفتوحاً". والحوار متواصل فعلاً، إذ تحدث الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون الى الرئيس بوتين هاتفياً. يقول دبلوماسيون إن الغرب يواصل إستشعار مواقف موسكو. كما أن المسئولين الروس والأوكرانيين أحدثوا مفاجأة عندما التقوا لإجراء محادثات على الحدود مع بيلاروسيا. وإن كانت المحادثات لم تحقق أى تقدم فإن بوتين على الأقل قبل بإحتمال التفاوض على وقف إطلاق النار.
دور للنووى، سقوط مدينة خيرسون بيد روسيا ولافروف يقول إن حرباً عالمية لن تكون الا نووية الرئيس الأوكرانى زيلينسكى يحذر من ستار حديدى جديد يعزل روسيا عن العالم المتحضر"
السؤال الأساسى المطروح هو إذا كان الغرب على إستعداد لتقديم ما يسميه الدبلوماسيون مخرجاً من الطريق السريع. ويقول الدبلوماسيون إنه على بوتين أن يعى متطلبات رفع العقوبات الغربية من أجل التوصل الى إتفاق يحفظ ماء الوجه.
فلنتخيل هذا السيناريو: الحرب تنقلب على روسيا. والعقوبات يزيد وقعها على موسكو. والمعارضة تتعزز مع وصول المزيد من جثمانين الضحايا الى البلاد. والرئيس بوتين يتسائل ما إذا كان وضع نفسه فى ورطة. ويرى أن مواصلة الحرب تحمل تهديداً لسلطته أكبر مما تحمله مذلة إنهائها. الصين تتدخل وتضغط على موسكو من أجل قبولها بتنازلات، مهددة بأنها لن تشترى الغاز والنفط من روسيا ما لم تخفف من حدة التوتر. وهذا يدفع بوتين الى البحث عن مخرج.
تنازل المهزوم، فى الوقت نفسه يشاهد المسئولون الأوكرانيون التدمير المتواصل لبلادهم، ويقتنعون بأن التنازلات السياسية أفضل من الدمار وزهق الأرواح. فيتدخل الدبلوماسيون ويتوصلون الى إتفاق. يقبل الأوكرانيون مثلاً بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم، وعلى أجزاء من إقليم دونباس. وفى المقابل يقبل بوتين بإستقلال أوكرانيا وتعميق روابطها بأوروبا. هذا لا يبدو مرجحاً، ولكن ليس من المستبعد أن يخرج مثل هذا الإتفاق من رحم الأنقاض التى تركها النزاع الدموى.
ولكن ماذا عن فلاديمير بوتين نفسه؟ صرح الرئيس الروسى عندما أطلق العملية العسكرية: نحن مستعدون لأى نتيجة كانت. ولكن ماذا لو كانت النتيجة أن يفقد السلطة؟ يبدو الأمر بعيداً عن التصور. ولكن العالم تغير فى الأيام الأخيرة، ومثل هذه الأمور يجرى التفكير فيها فعلاً. فقد كتب البروفيسور السير لورنس فريدمن، أستاذ الدراسات الحربية فى كينغز كوليدج فى لندن: "تغير النظام محتمل اليوم فى موسكو مثلما هو محتمل فى كييف. لماذا يقول مثل هذا الكلام؟ ربما لأن بوتين يخوض حرباً كارثية. فآلاف الجنود الروس يموتون. ربما هناك مخاطر بإندلاع ثورة شعبية. ويلجأ بوتين الى قوات الأمن الداخلى لقمع هذه الثورة. ولكن الأمور قد تنفلت من يديه، فينقلب عليه عدد كاف من السياسيين والعسكريين والنخبة.
يقول الغرب إذا رحل بوتين وحل محله قائد معتدل فإن العقوبات ستخفف عن روسيا وتعود العلاقات الدبلوماسية الى طبيعتها مع موسكو. وقد يحدث إنقلاب عسكرى دموى فيترك بويتن السلطة. ولا يبدو هذا الأمر أيضاً مرجحاً الآن. ولكنه ليس مستبعداً إذا شعر الأشخاص المستفيدون من بوتين بأنه لم يعد قادراً على حماية مصالحهم.
السيناريوهات المطروحة لا تتناقض مع بعضها، ويمكن أن تتقاطع وتؤدى الى نتيجة مختلفة. ولكن مهما كانت الطريقة التى تنتهى بها هذه الحرب فإن العالم تغير بعدها، ولن يعود الى ما كان عليه من قبل. فعلاقة روسيا بالخارج ستكون مختلفة. وسيكون تعامل الأوروبيين مع القضايا الأمنية مختلفاً. فقد إكتشف النظام الدولى المبنى على القوانين حقيقة الوظيفة التى أنشئ من أجلها فى بادىء الأمر.