الثلاثاء، 2 يونيو 2020

الحرب فى ليبيا: هل ستصبح سوريا جديدة؟

كتب /أيمن بحر

اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي . منذ العام الماضى يحاول الجنرال خليفة حفتر الرجل القوى فى شرق ليبيا الإستيلاء على العاصمة طرابلس فى أقصى غرب ذلك البلد الشاسع.ويبدو أن تدخل تركيا لدعم حكومة طرابلس المنتهية ولايتها، كان أمراً حاسماً إذ تراجع بسببه رجال حفتر الى جانب قوات من عدة آلاف من المرتزقة الروس. لكن هذا لا يعنى أن المدنيين الليبيين يمكنهم توقع السلام الذى يتوقون إليه.
كان من المفترض أن تكون بلادهم الغنية بالنفط والغاز قادرة على ضمان حقوقهم التى أصبحت أحلاماً الآن مثل التعليم والرعاية الصحية ومستوى المعيشة اللآئق. هم لا يتمتعون بأى منها ولا حتى بالأمن.
وقد التزم الليبيون الذين لم يفقدوا منازلهم بإرشادات الحجر الصحى، لمنع إنتشار فيروس كورونا آملين الا يصبحوا هدفاً لنيران المدفعية أو الطائرات بدون طيار أو الطائرات الحربية إذ دمرت الحرب معظم العيادات والمستشفيات فى ليبيا.
وتقول حنان صالح من منظمة هيومن رايتس ووتش إن حوالى 200 الف مدنى فى غرب ليبيا قد نزحوا بالفعل من منازلهم. فى ندوة عبر الإنترنت نظمتها مؤسسة تشاتام هاوس البحثية قالت السيدة صالح: عليك أن تنظر الى ليبيا حالياً كمنطقة لا يُحاسب فيها أحد وقد أصبحت هكذا منذ عام 2011. كما قالت إن جميع الأطراف فى الحرب ضالعة فى سوء معاملة المدنيين، على الرغم من أن الجانب الموالى لحفتر قد إرتكب العدد الأكبر من الإنتهاكات الموثقة، التى قد ترقى لجرائم حرب، حسب قولها. من الصعب أن نصدق الآن أن ليبيبا مباشرة بعد سقوط القذافى بدت واعدة وبدأ مستقبلها أكثر إشراقا. فى عام 2011 مشيت مع السفير البريطانى بين أنقاض سفارته فى طرابلس التى حرقها وإستهدفتها حشود غاضبة بعد أن بدأ حلف شمال الأطلسى(الناتو) قصفه كتائب القذافى. تحدثنا عن حظ الليبيين الجيد في عدم إبتلائهم بتنوعات طائفية كبيرة مثل سوريا أو العراق وعن كنوز النفط والغاز القابعة تحت الصحراء الليبية الشاسعة ربما حتى السياحة ستكون ممكنة إذ لدى ليبيا 2000 كيلومتر من شواطئ البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن مواقع أثرية رومانية تعادل أى شئئ فى إيطاليا. لكن ليبيا تحطمت، وخلال عقد من الزمان تقريبا مضى على تلك المحادثة إستمر ذلك البلد فى التفتت والتشظى إذ لم يتم حل الميليشيات التى أطاحت بنظام القذافى. بمجرد رحيل العقيد وأبنائه والمسئولين المقربين من العائلة لم يعد هناك أى وجود لدولة فعالة. الدولة الفعالة. ووجد الرجال الذين حصلوا على القاب وظيفية مهمة أنه إذا كانت هناك أى مقاليد للسلطة فإنها باتت الآن بأيديهم.لم يكن الليبيون الذين رأوا أنفسهم ثوريين فى حالة مزاجية تجعلهم يطلبون مساعدات كبيرة من الدول القوية التى قدمت الأسلحة والأهم من ذلك القوات الجوية لمساعدتهم على أزاحة القذافى. فى المقابل إرتاحت الأطراف الخارجية لكونها قادرة على الإبتعاد، مُعلنة أن المهمة جرت بشكل جيد. لقد كانت إزاحة القذافى عن السلطة شيئاً بينما المساعدة فى بناء دولة شئ مختلف بالمرة. لم يستغرق الأمر وقتا طويلاً، حتى تفتتت بقايا ليبيا الى قطع أصغر. أصبحت المدن الكبرى أشبه بممالك الطوائف. كانت للميليشيات أجندتها الخاصة ولم تلق أسلحتها، وقد حاول عدد غير قليل من الدبلوماسيين معظمهم تحت رعاية الأمم المتحدة، تعزيز الحوار والمصالحة لكن دون جدوى. بحلول عام 2014 برز الجنرال حفتر كقوة في هذه الدولة المحطمة، وطرد الإسلاميين المتشددين من بنغازى التى تعد ثانى أكبر مدن ليبيا وعاصمة شرق البلاد. كان الجنرال حفتر معروفاً جيداً فى ليبيا، كجنرال إختلف مع القذافى وقد أمضى سنوات فى المنفى يخطط لإسقاط القذافى، من قاعدة جديدة فى لانغلى بولاية فيرجينيا وهى البلدة الأمريكية التى يوجد بها أيضا مقر وكالة المخابرات المركزية. لقد وجدت ليبيا وهى فى واقع الأمر مفتتة بالفعل نفسها فى نهاية المطاف مقسمة بين حكومتين متناحرتين. سيطر الجنرال حفتر على الشرق إنطلاقاً من بنغازى وشرع فى توحيد البلاد بالسير غرباً لمهاجمة العاصمة طرابلس بهدف الإطاحة بالحكومة المنتهية ولايتهابقيادة فايز السراج.كان من المؤكد أن القوى الأجنبية ستتورط فى الحرب الأهلية، فليبيا غنيمة مرغوبة، إذ لديها أكبر إحتياطيات من النفط والغاز فى أفريقيا بينما لا يتجاوز عدد سكانها سبعة ملايين نسمة. من الناحية الإستراتيجية تقع فى الجهة المقابلة لأوروبا ويمكن تصدير نفطها مباشرة الى الأسواق فى الغرب عبر البحر الأبيض المتوسط فى حين يحتاج المنتجون المنافسون فى الخليج الى شحن صادراتهم عبر ممرات بحرية يحتمل أن تكون خطرة. تركيا هى الحليف الرئيسى لحكومة السراج فى طرابلس.أرسلت الولايات المتحدة إشارات متناقضة حول ليبيا، فى عهد الرئيس دونالد ترامب، إذ قدمت التشجيع فى أوقات مختلفة للسيد سراج والجنرال حفتر، وقصفت المتطرفين الجهاديين عندما تمكنت من العثور عليهم. أما الآن فمبعث القلق الأكبر لواشنطن هو أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ربما يؤسس نفوذه فى ليبيا بالطريقة نفسها التى فعلها فى سوريا. لقد طورت الحرب الليبية تشابهات مزعجة مع حرب سوريا إن اللآعبين الفاعلين فى مصير ومستقبل كليهما هم نفس الأطراف الخارجية. وأصبحت الحروب بالوكالة فى ليبيا، من نواح عديدة إستمراراً للحروب بالوكالة فى سوريا. لقد جلب الجانبان كلاهما ميليشيات سورية لتطبيق المهارات التى إكتسبوها خلال ما يقرب من عقد من الحرب فى وطنهم. من المحتمل أن يطبق الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، والروسى فلاديمير بوتين فى ليبيا نسخة من الصفقات، التى أبرموها فى سوريا.إن المرتزقة الروس الذين يقاتلون مع الجنرال حفتر هم من منظمة تعرف باسم مجموعة فاغنر، يديرها يفغينى بريغوزين المقرب من الرئيس بوتين. وتم إستخدام مقاتلو فاغنر أيضاً فى سوريا. من الجدير بالذكر أن الإنسحاب الروسى من طرابلس لم يتعرض لمضايقات، من الطائرات العسكرية التركية ذات الكفاءة العالية. ونقل الروس أيضاً طائرات حربية متقدمة الى ليبيا. كان بإمكان الرئيس بوتين والرئيس أردوغان أن يتفقا على إنهاء هجوم الجنرال حفتر على طرابلس، حتى يتمكنا من تقسيم الغنائم بينهما بحسب الأكاديمى الألمانى ولفرام لاشر الذى نشر للتو كتابا حول تفتت ليبيا. وقال فى ندوة مؤسسة تشاتام هاوس البحثية عبر الإنترنت: نحن نتحدث عن قوتين أجنبيتين، تحاولان تقسيم مناطق النفوذ فى ليبيا، وربما تطمحان أن يكون هذا الترتيب طويل الأمد. لكنه شكك فيما إذا كانت القوى الأخرى المشاركة فى ليبيا، والليبيون أنفسهم سيقبلون ذلك الترتيب بهدوء. يمكن أن تكون المعركة الكبيرة القادمة على ترهونة وهى بلدة تقع على بعد 90 كيلومتراً جنوب شرق العاصمة. إنها معقل الجنرال حفتر فى الغرب الليبى، وتسيطر عليها ميليشيا تعرف بإسم القنيات تتكون بشكل رئيسى من رجال موالين سابقا لنظام القذافى. القوات الموالية لحكومة طرابلس وهم معارضون سابقون للقذافى، يتقدمون نحو ترهونة. لا تزال الحرب ضد النظام القديم عاملاً مؤثراً، فى حرب ليبيا التى لا تنتهى.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏لقطة قريبة‏‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق