الأربعاء، 3 فبراير 2021

المرأة التي خلع نبيُّ الله قميصَه ليُكفِّنها به

 كتبت : جيهان الجارحي

عندما نزلت قبرها شرع نبي الله محمد - صلى الله عليه وسلم - يحفر ويفسح التراب بيديه الشريفتين ، واضطجع في قبرها ، وقيل توسَّد القبر ( وضع تراب القبر تحت رأسها كالوسادة ) ، ثم خرج وعيناه تفيض بالدمع جراء حزنه عليها .. لقد دعا لها - عليه الصلاة والسلام - بأن تُبعث وهي كاسية ، فهي مُكَفَّنة بقميص رسلولنا الكريم .
عندما سوَّى رسول الله عليها التراب ، قال بعضهم : يا رسول الله ، رأيناك صنعت شيئًا لم تصنعه بأحد ٍ، فقال: "إِنِّي أَلْبَسْتُها قَمِيصِي لِتَلْبَس مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ، وَاضْطَجَعْتُ مَعَهَا فِي قَبْرِهَا لَيُخَفَّف عَنْهَا مِن ضَغْطَة الْقَبْرِ ، إنها كانت أحسن خلق الله صنيعا بي بعد أبي طالب"
تلك المرأة التي حوى معروفها طفولة النبي - عليه الصلاة والسلام - وشملته بعطفها وحنانها ، فمن هي هذه المرأة ؟!
*إنها فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف القرشيَّة الهاشميَّة * .. زوجة أبي طالب عم النبي ، وأم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه .
كان النبي محمد يعيش في كنف جده عبدالمطلب حتى الثامنة من عمره ، وعندما توفي جده انتقل إلى بيت عمه أبي طالب ، فاحتضن هذا البيت النبي - عليه الصلاة والسلام - واحتضنته امرأة عظيمة ، هي فاطمة بنت أسد ، فاعتبرته أحد أبنائها بل وأكثر ، ورُوي في بعض الروايات أنها كانت تُحب النبي أكثر من أبنائها ، فعندما توفي عبد المطلب جد النبي ، جاء أبو طالب لفاطمة وقال لها :"اعلمي أنّ هذا ابنُ أخي ، وهو أعزّ عِندي من نَفسي ومالي ، وإيّاكِ أن يتعرّض علَيه أحدٌ فيما يريد" ، فتبسّمت من قوله وقالت له : "توصيني في وَلدي مُحمّد ، وإنّه أحبُّ إليّ من نفسي وأولادي ؟! " ، ففرح أبو طالب بذلك .
‏وبعدها اعتَنَت فاطمةُ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - عناية فائقة ، وأولَتْه رعايتها وحبّها ، وكانت تُؤثِره على أولادها في المطعم والملبس ؛ لأنها كانت تُقدِّر أنه يتيم ، فكانت تعطيه أشياءًا وتوليه اهتماما حتى أكثر من أبنائها رضي الله عنهم . فإذا احتاج النبي أمرًا قامت بتلبيته له مباشرةً .
كانت تُغسّله بالماء وتدهن شَعره وتُرجّله وتطيِّبه ، وكان النبي يحبّها ولا يناديها إلاّ بـ (أمّي) لأنه لم يلقَ أهتماما كهذا إلا من أمه فاطمة بنت أسد ، وكانت تجمع له الطعام إذا خرج ، فإذا عاد إلى البيت كان نصيبه محفوظا .
‏ومن شدة حبها للنبي - عليه الصلاة والسلام - أنه عندما تزوج السيدة خديجة - رضي الله عنها - دفعت إليه بفلذة كبدها عليّ بن أبي طالب ؛ ليكون في ولايته صلى الله عليه وسلم بعد زواجه من السيدة خديجة .. فكيف ردّ لها النبي - عليه الصلاة والسلام - بعضا من أفضالها ؟
‏تشير بعض الكتب الإسلامية إلى أن النبي - عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام - سمّى ابنته فاطمة على اسم هذه المرأة العظيمة التي كان يناديها بأمي ، وهي فاطمة بنت أسد ، فسمّى ابنته فاطمة - سيدة نساء أهل الجنة - على اسمها من شدة حبهِ لها .
‏ذات مرة ، أُهدى النبي حُلَّة من استبرق (ثوب من الحرير) فقال عليه الصلاة والسلام : "اجعلها خُمرًا بين الفواطم" ، فشقّها أربعة أخمرة : خمار لفاطمة الزهراء ، وفاطمة بنت أسد ، وفاطمة بنت حمزة بن عبدالمطلب ، والرابعة قيل إنها فاطمة بنت شيبة بن عبد شمس زوج عقيل بن أبي طالب .
‏أسلمت فاطمة بنت أسد بعد وفاة زوجها أبي طالب ، ثم هاجرت مع أبنائها إلى المدينة ، وكانت - رضي الله عنها - راويةً للحديث ، حيث روت عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ستَّةً وأربعين حديثًا ، وكانت امرأةً صالحة ذات صلاحٍ ودين ، فكان النبيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يزورها وينام في بيتها بعض الأحيان .
‏تُوفيت فاطمة بنت أسد - رضي الله عنها - في السنة الخامسة من الهجرة ، فحزن النبي عليها حزنًا شديدًا ، وروى ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه لمـَّا ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب - كرّم الله وجهه - خلع رسول الله صلى الله عليه و سلم قميصه وألبسها إياه ، واضطجع معها في قبرها.
سمعت فاطمة بنت أسد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "يُبعث الناسُ يوم القيامة عُراة" ، فقالت : وا سوأتاه ! فقال لها النبي : إني أسأل الله أن تُبعثين كاسية .
‏عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنَّه قال : "لمـَّا ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي - رضي الله عنهما - دخل عليها رسول الله فجلس عند رأسها فقال : "رحمك الله يا أمي كُنتِ أمي بعد أمي ، تجوعين وتشبعيني وتعرين وتكسيني وتمنعين نفسكِ طيبًا وتطعميني وتريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة" ، ثم قال: «اللهُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ اغْفِرْ لِأُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ وَلَقِّنْهَا حُجَّتَهَا وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا بِحَقِّ نَبِيِّكَ وَالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي فَإِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» .
‏إن الكثير منّا لا يعلم سيرة هذه المرأة العظيمة التي ربّت خير البريّة والأنام ، محمد بن عبد الله .. رضي الله عن فاطمة بنت أسد وأسكنها فسيح جناته.

لتعليقات


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق