الاثنين، 22 فبراير 2021

مَن المسئول عن الانقلاب العسكري في ميانمار ؟! .. ميانمار إلى أين ؟!

 كتبت : جيهان الجارحي

قضى الجنرال "مين أونغ هلينغ" المسئول عن الانقلاب العسكري في ميانمار ، والذي يبلغ من العمر 64 عاماً، معظم حياته في صفوف الجيش المؤثر في الحكم ، ثم التحق بأكاديمية الخدمات الدفاعية عام 1974، بعد أن درس القانون في جامعة يانغون.
بدأت ولاية "مين أونغ هلينغ" قائدًا للجيش بالتزامن مع انتقال ميانمار إلى الحكم الديمقراطي ، بعد عقود من الحكم العسكري، لكنه ظل مُتحمسًا للحفاظ على سلطة جيش ميانمار القوي ال "تاماداو" ، حيث تملك ميانمار ثاني أضخم جيش في جنوب شرق آسيا .
ونجح الجنرال في الحفاظ على سلطة الجيش ، حتى في ظلّ انتقال ميانمار إلى الحكم الديمقراطي، لكنه واجه الكثير من الشجب والإدانة العالمية بسبب دوره في مهاجمة الجيش للأقليات العرقية.
تدرّج الجنرال "مين أونغ هلينغ" قائد القوات المسلحة في مناصب ال"تاماداو" ، وكان نفوذه واضحًا بصفته قائدًا عامًا للجيش، قبل موعد الانقلاب في الأول من فبراير الجاري .. ومع عودة ميانمار تحت قيادته إلى الحكم العسكري، بادر "مين أونغ هلينغ" لتوسيع سلطته وتحديد مستقبل البلاد القريب ، حيث دافع في أول حديث له مُتلفز عن الاستيلاء على السلطة وسط احتجاجات حاشدة ، وتهديد الرئيس الأمريكي "جو بايدن" بإعادة فرض العقوبات والضغط على الجيش لمغادرة السلطة .
حصل الجنرال على ترقيات منتظمة حتى أصبح قائد "العمليات الخاصة - 2" عام 2009 ، وأشرف من هذا المنصب على العمليات في شمال شرق ميانمار، التي أدّت إلى فرار عشرات آلاف اللاجئين من الأقليات العرقية، من مقاطعة شان الشرقية ومنطقة كوكانغ على طول الحدود مع الصين.
واستمر هلينغ في الصعود ، رغم الجرائم البشعة التي ارتكبتها قواته ، حتى أصبح رئيس أركان القوات المشتركة عام 2010 ، وفي مارس 2011 ، تم اختياره لتولي أعلى منصب في الجيش، وذلك خلفاً للزعيم ثان شوي، الذي تسلم قيادة القوات المسلحة لفترة طويلة.
ازداد نفوذه السياسي مع تولي حزب "الوحدة التضامن والإزدهار" رئاسة الحكومة ، والمدعوم من الجيش .
مع وصول حزب المستشارة "أونغ سان سوتشي"، "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" إلى السلطة عام 2016، بدأ الجنرال في العمل معها والظهور في المناسبات العامة إلى جانبها ، ولكنه ضمن استمرار حصول الجيش على 25 بالمائة من المقاعد البرلمانية والحقائب الوزارية المهمة المتعلقة بالأمن، وقاوم محاولات حزب سوتشي للحد من السلطة العسكرية.
كثّف الجيش حملة القمع ضدّ أقلية الروهينغا المسلمة في ولاية راخين الشمالية ، ما بين عامي 2016 و2017 ، مما أدّى إلى فرار العديد من أبنائها خارج ميانمار ، وتمت إدانته عالميا بسبب "الإبادة الجماعية"
وفي أغسطس 2018 ، قال مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة: "يجب التحقيق مع كبار الجنرالات العسكريين في ميانمار ، بمن فيهم القائد العام للقوات المسلحة الجنرال "مين أونغ هلينغ" ، ومحاكمتهم بتهمة الإبادة الجماعية في شمال ولاية راخين، فضلا عن جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في ولايات راخين وكاشين وشان" .. كذلك فرضت الولايات المتحدة عقوبات بحقّه عام 2019، بسبب دوره المزعوم في "التطهير العرقي" وانتهاكات صارخة ضدّ حقوق الإنسان .
انتهت انتخابات نوفمبر 2020 بفوز كاسح لحزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية"، لكنّ الجيش والحزب الذي يدعمه رفضا النتائج ، وزعم حزب "الوحدة التضامن والإزدهار" المدعوم من الجيش ، حصول عملية تزوير في الانتخابات، وهو ما نفته اللجنة الانتخابية قبل موعد جلسة البرلمان المنتخب، التي كان من المُفترض أن تُعقد في الأول من فبراير الجاري .. وزادت التوقعات بحدوث انقلاب عسكري وسط المواجهة بين الحكومة والقوات المسلحة.
احتجز "التاماداو" مستشارة الدولة "أونغ سان سوتشي"، والرئيس "وين مينت" وآخرين من كبار القادة، وأعلن حالة الطوارئ لمدة عام ، وتولى "مين أونغ هلينغ" جميع سلطات الدولة بصفته القائد العام للجيش، وأعطى الأولوية للمخالفات الانتخابية المزعومة.
خرج المتظاهرون الذين وجهوا انتقادات جرّاء الانقلاب العسكري في الأول من فبراير الجاري ، حيث طالب مئات الآلاف بالإفراج عن "أونغ سان سوتشي"، وإعادتها إلى منصبها كزعيمة فعلية للحكومة المدنية.
الجدير بالذكر ، أن بكين لعبت دورا في حماية ميانمار من الرقابة الدولية، وحذرت منذ الانقلاب من أن العقوبات أو الضغوط الدولية سوف تؤدي إلى تفاقم الأمور ، كما حمت الصين ميانمار ، مرارا ، من الانتقادات التي وُجِّهت إليها في الأمم المتحدة ، بشأن الحملة العسكرية على الأقلية المسلمة من الروهينغا.
لقد دعت الأمم المتحدة ، في الآونة الأخيرة ، المجتمع الدولي إلى عدم قبول الانقلاب العسكري ، كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الجنرال"مين أونغ هيلنغ" وعدد من القيادات العسكرية ، حيث أعلنت الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على 8 شخصيات عسكرية و3 شركات في قطاع الأحجار الكريمة ، وهددت بمزيد من العقوبات الاقتصادية إن لم يتم التراجع عن هذا الانقلاب .
كان من المقرر أن يتنحى"مين أونغ هلينغ" عن منصب القائد العام للقوات المسلحة ، بعد بلوغه سن التقاعد "65 عامًا" في يوليو من هذا العام ، لكنه منح لنفسه عامًا آخر في السلطة ، مع العودة إلى الحكم العسكري في ميانمار.
وفي خِضَم تلك الأحداث ، ألقى العديد من المراقبين الضوء على أن الجيش يتمتع بسلطات كبيرة، على اعتبار أنه يملك 25% من مقاعد البرلمان التشريعية ووزارات سيادية ، مثل وزارتي الدفاع والداخلية ، بالإضافة إلى تمتعه بحق النقض "الفيتو" في المسائل الدستورية ؛ وبناءًا عليه فإن الدستور يمنحهم سلطات كبيرة ، مثل القوة الاقتصادية والقوة السياسية ، فلماذا إذا تمت الإطاحة بدستورهم ؟!
لقد تصاعدت حدة الاحتجاجات اليوم ؛ على خلفية مقتل اثنين من المتظاهرين على يد قوات الشرطة ، السبت الماضي ، كما حُذف حساب الجنرال "مين أونغ هيلنغ" من صفحته على الفيس بوك ؛ جرّاء الانقلاب العسكري وارتكابه مع قواته جرائم "إبادة جماعية" ، وقيام عناصر من قوات الشرطة بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين .. فهل ستنتصر الديمقراطية والحكم المدني ، أم ستنزلق البلاد إلى نفقٍ مظلم من الحكم العسكري الذي يدمن السيطرة على مؤسسات الدولة ويحكم بقبضةٍ من حديد ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق