متابعة إعلامية امل كمال
قدر حبها للرومانسية كان حبها للقوة والاحتواء فلم يكن ذاك الفتى (طارق ) الذى تعرفت عليه عن طريق الفيسبوك هو فتى أحلامها فقط بل كان سندها وملاذها وملجأها ومصدر قوتها وتفاؤلها وفرحها وسعادتها فقد وجدت فيه الفارس والفتى الشجاع والمثقف والفنان والساحر وجدت فيه الحكمة والخبرة والقوة والرومانسية والحب فتملك قلبها فأخذه من فؤادها وأصبح فؤادها فارغا كلما غاب عنها فإن كادت لتبدى بهذا الحب وتصرخ أمام الجميع أنها تعشقه وأنه شغفها حبا لولا أنه كان يثبتها حتى اللقاء فها هى الأيام تمضى وحبهما يبلغ مداه فهى تعشق (طارق ) ذاك الرجل الأنيق الوسيم منذ أن طلب نقله من الصعيد إلى القاهرة من أجلها وأقام فى شقة قد ورثها عن أبيه فى أحد الأحياء القديمة العريقة وقد ذهبت معه إلي هذا الحى مرارا ولكنها لم تصعد معه إلى الشقة فكانت تنتظره فى السيارة ويصعد هو كل مرة ليقطف لها زهرة الياسمين التى تحبها والذى قام بزراعتها فى شرفات الشقة من أجلها وهى تنظر الى تلك الشقة فى الطابقة الثالث من العمارة القديمة وتظهر في الشرفات قصارى الياسمين وتتمنى أن تكون هذه الشقة هى عش حبهما
فلم تكن مروءته معها ومحافظته وخوفه عليها وحبه لها من فراغ بل هى قد سلبت قلبه وعقله وفكره فأصبحت لا تغيب عن باله لحظة وأصبح متيما بها
وها هو يطلب يدها ويحضر معه بعض أقربائه وتفقوا على ميعاد الفرحة الكبيرة وقد تمنت أن تكون تلك الشقة الجميلة التى رأتها من الخارج ورأت زهور الياسمين فى شرفاتها هى عش الزوجية وملتقى حبهما وقد وعدها بأنهما سيعودان الى هذه الشقة ولكن بعد الزواج بفترة وأنه لديه فيلا في أحد الأحياء الجديدة هى التى ستشهد عرسهما الأول واتفقا على ذلك حتى جاء اليوم الموعود وها هما يجلسان فى الكوشة وقد علت وجهها فرحة وابتسامة كأنها ملكت الدنيا وما فيها واذا بها تنظر الى فارس أحلامها فتجده شارد الذهن حزين فسألته عن تلك الحالة الغريبة التى هو فيها الآن فى ليلة هى الأجمل من ليالى العمر التى ستتحقق فيها كل أحلامهما ولقاءهما الذى طالما انتظراه سويا وفرحة عمرهما التى شرعا في تحقيقها
وجدت الدموع تنهال من عينيه وهو يخبرها بالسر الذى أخفاه عنها وحاول كثيرا أن يخبرها به ولكن خشى فقدها وهو الآن لا يحب أن يبدأ حياته معها بعد هذا العشق الجنونى الذى تملك قلبه لها وخوفه على فقدها فهمس فى أذنها وقال لها كلمات لم يسمعهن غيرها فأخذت تصرخ وتصيح بهستريا حتى حدث لها انهيار عصبى وفقدت الوعى تماما وتحول الفرح الى حزن كبير وانصرف المأذون قبل عقد القران وجاءت سيارة الإسعاف ونقلتها إلى المستشفى وهى فاقدة الوعى وكلما أفاقت نظرت فوجدته يقف بجوارها ويحاول تهدأتها صرخت مرة أخرى بهستريا حتى تنهار وتفقد الوعى وأجمع الأطباء أنها مصابة بصدمة عصبية قوية ومرت الأيام ولم يعرف أحد سبب تلك الصدمة العصبية وأخبرهم (طارق ) خطيبها وحبيبها أن بقاءه ليس فى صالحها وأنه لابد أن يختفى من حياتها وبالفعل اختفى هذا العريس ولم يعرف أحد مكانه حتى بدأت تهدأ بعد مرور أكثر من سنتين فى مستشفى الأمراض النفسية والعصبية وهى لا تتكلم فقد أصيبت بحالة اكتئاب شديدة وبدأت تستجيب للعلاج ونصحهم الأطباء بالخروج من المستشفى وتغيير المكان الذى كانت تعيش فيه وقد ذهب بها والدها الى بيت الله الحرام لأداء العمرة وعادت أفضل مما كانت عليه ولكن دون كلام مع أحد ودون السؤال عن حبيبها أو عما حدث في الماضى وكأن كل ما حدث معها كان حلم أو كابوس وليس له علاقة بالواقع وعادت مرة أخرى تمارس هوايتها فى القراءة وذهبت مع أسرتها الى إحدى القرى السياحية حيث البحر الذى هو عشقها الأول ورغم أنها كانت بارعة فى السباحة كبراعتها فى القراءة إلا أنها شعرت فجأة أن هناك موجة عالية وكأنها تقصدها هى أخذتها ورفعتها الى أعلى ثم الى دوامة تسحبها الى الأعماق وقد حاولت المقاومة كثيرا حتى خارت قواها وبدأت تسقط إلى القاع
ودوت صفارات الإنذار من كل مكان وقفز مجموعة من الشباب كى ينقذوها الا أن ارتفاع الأمواج فجأة قد جعلهم يتراجعون جميعا إلا رجل واحد قاوم الموج ورغم أنه فى بداية الأربعينيات من العمر إلا أنه غاص حتى وصل من الخلف ورفعها وخرج بها فى جو مليء بالخوف والدهشة وألقاها على الشاطيء فاقدة الوعى فتحت عينيها بعد إجراء الاسعافات اللازمة ووجدت عينيها فى عينيه فابتسم وهنأها بسلامة الخروج وشكره الجميع وانصرف وبعد أن جلست أخذت تنظر اليه يمينا ويسارا فلم تجده
عادت الى البيت وصورة هذا الرجل لا تفارق عينيها حتى خرجت في المساء مع أبيها إلى أحد المتاجر فوجدت هذا الرجل ولأول مرة منذ أكثر من سنتين تتكلم بفرحة شديدة وتنادى على أبيها لتخبره بأن هذا الرجل الذى أنقذها ويأتى هذا الرجل ليسلم عليهما وقد علت وجهها الفرحة من جديد وقد عرفهما بنفسه أن اسمه ( ياسر ) كان يدرس ويعمل في الخارج وأنه قدم قريبا إلى مصر وأنه هنا بمفرده وليس معه أسرة فقد أخذته الغربة ولم يتمكن من الزواج حتى وصل إلى سن الأربعين وبعد أن انصرفت ظل ينظر إليها بإعجاب شديد وكأنه يعرفها وهى بادلته النظرات وكأنه فارس أحلامها الحقيقى الذى تبحث عنه وقرأت عنه الكثير في الكتب التى تقرأها
وبدأت تفكر فيه ويشغل قلبها وعقلها حتى حصلت على رقم غرفته في الفندق واتصلت به ورد عليها فقالت أنها تريد أن تشكره على أنه أنقذها وعرض نفسه للهلاك من أجلها إلا أنه صمم على مقابلتها وتقابلا وتكرر اللقاء بينهما حتى صارحها بإعجابه وحبه وهى أيضا لم تتمالك نفسها حتى صارحته أنه كان عوضها عن صدمتها الكبيرة
ولكنها لم تخبره بتفاصيل ما حدث معها فقابل والدها وطلب يدها منه ولكنه سألها عن صدمتها وما حدث لها فقص عليه والدها أنها كانت ليلة كتب كتابها وزفافها فهمس لها خطيبها بشيء ما فانهارت فجأة دون أن يعرف أحد ماذا قال لها وعندما لم تستجب للعلاج قرر أن يختفى تماما حتى تبرأ
إلا أن (ياسر ) صمم أن يعرف تفاصيل ما همس لها به (طارق ) وسبب انهيارها وأنه من حقه عليها أن تخبره بما حدث فعندما شاهدت إلحاحه عليها قالت له إن هذا الرجل همس لى وقال ( أنا اسمى طرنوش ولست طارق و لست إنسيا بل عفريت من الجن ) فلم أتحمل ما سمعت وحدث ما حدث
إلا أن (ياسر ) أومأ برأسه و لم يصدق كلامها وقال لها ربما يكون هذا الرجل كاذب وأنه إنسى وكان يمزح معك وقد شعر بأنه كان السبب فيما حدث لك فأنبه ضميره فاختفى عن أنظاركم !
وقد أخبر ياسر والدها بما حدث وبسبب انهيارها مما أدخل في قلبه الشك فبدأ يبحث عن أى معلومه يتوصل بها إلى أصل طارق ومحل إقامته فأخبره والدها أنها قالت له من قبل أنه يمتلك شقة في العنوان كذا بحى كذا بالطابق الثالث فذهب هذا الرجل ووالدها الى هذا العنوان فوجدا العقار والشقة التى كانت تقول أن شرفاتها بها قصارى الياسمين فوجدوها شقة محترقة تماما وشرفاتها محترقة وسألا حارس العقار فأخبرهما أنها كانت لشاب في الثلاثينيات من العمر اسمه ( طارق ) ورثها عن والده وقد قدم من الصعيد بعد نقله إلى العمل في القاهرة وأقام فيها فحدث فيها إنفجار الغاز فاحترق هذا الشاب ومات ولم يفتحها أو يدخلها أحد منذ أكثر من عشرين عاما فكاد أبوها أن يسقط على الأرض من هول ما رأى وسمع وفاضت دموع ياسر شفقة على هذه المسكينة من هول هذا الموقف وما تعرضت له وطلب من أبيها ألا يخبرها بما حدث حتى لا تتذكر تلك الذكريات الحزينة واتفقا أن يعجلا في إتمام الزواج حتى يكون لها خير عوض عما حدث
وعاد الأب إلى البيت ليخبر ابنته أنهما اتفقا على إتمام الزواج في الشهر القادم ففرحت وعلاها السرور والبهجة وفى حفل الزفاف أخذها من منصة العرس (الكوشة ) لترقص معه فاحتضنته وكأنها تختبء فيه وعندما شعر بهذا قال لها هامسا في أذنها : (أنى أحبك بل أعشقك بل شغوف بك وسأظل أحبك ولن أتركك أبدا ما حييت سامحينى يا حبيبتى فأنا لا أستطيع الحياة بدونك أنا طرنوش وقد افتعلت الأفاعيل في البحر وأنقذتك فلن أتركك لغيرى أبدا فأنا أو الموت .
وللقصة بقية ...

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق