متابعة /أيمن بحر
المشكلة الكبرى أن أيران لم تبد جديتها بسبب إطالة محادثات فيينا لبحث النووى الإيرانى. أيران تطلب رفع العقوبات أولاً.
خيارات واشنطن فى نووى إيران.. ماذا لو فشلت المفاوضات؟ تصريحات أمريكية وأوروبية تحمل فى طياتها يأساً من المسار الدبلوماسى للمحادثات بشأن النووى الإيرانى. يأس قد يشير الى إقتراب إعلان فشل الدبلوماسية. فما هى البدائل المتاحة أمام واشنطن وحلفائها لو فشلت مفاوضات فيينا؟
يرى خبراء أن تصريحات المسئولين الأمريكيين والأوروبيين تحمل فى طياتها مؤشرات على فشل المسار الدبلوماسى مع إيران.
تحركات خليجية ودولية متسارعة جرت مؤخراً وسط تصريحات أمريكية وأوروبية تحمل يأساً تجاه إمكانية حل الملف النووى الإيرانى وملفات إيرانية أخرى فى ظل الدبلوماسية فيما يدور حديث حول البحث عن بدائل للعملية السياسية.
وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن قال إن بلاده تواصل إنتهاج الدبلوماسية فى التعامل مع إيران بشأن العودة الى المحادثات النووية لأنها من بين أفضل الخيارات المتاحة. وأضاف بلينكن فى مؤتمر صحفى عقده فى إندونيسيا أن واشنطن تعمل جاهدة مع حلفائها وشركائها فيما يتعلق بالبدائل فى حال فشلت مفاوضات فيينا الرامية الى إنقاذ الإتفاق النووى.
وشدّد على أن ما نراه حتى الآن هو أن إيران تهدر وقتًاً ثمينًاً فى الدفاع عن مواقف لا تنسجم مع عودة الى اتفاق عام 2015. وإذ إعتبر أن الدبلوماسية لا تزال حتى اليوم هى الخيار الأفضل أضاف "لكننا نناقش بشكل نشط بدائل مع حلفائنا وشركائنا.
تصريحات بلينكن سبقتها تصريحات أخرى لرئيس الحكومة البريطانى بوريس جونسون قال فيها إن المفاوضات الحالية فى فيينا تُشكّل الفرصة الأخيرة لإيران.
أما دبلوماسيو ترويكا الإتحاد الأوروبى فقالوا إننا نضيع وقتاً ثميناً فى التعامل مع مواقف إيرانية جديدة لا تتسق مع خطة العمل الشاملة المشركة أو تتجاوزها الأمر الذى يثير الإحباط. وأضاف الدبلوماسيون الأوروبيون فى بيان لهم: بدون إحراز تقدم سريع وفى ضوء التطور السريع لبرنامج إيران النووى، ستصبح خطة العمل الشاملة المشتركة (الإتفاق النووى) قريباً بلا معنى.
وحمل البيان فى طياته تقييماً متشائماً على نحو غير عادى للجهود المبذولة لإحياء الإتفاق الذى حدت إيران بموجبه من برنامجها النووى مقابل تخفيف العقوبات الإقتصادية التى كانت قد فرضتها الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبى والأمم المتحدة عليها.
إيران بدورها تصر على سلمية برنامجها وترفض أى محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة قبل رفع العقوبات الدولية والأمريكية المفروضة عليها متهمة الأطراف الغربية المشاركة فى إتفاقها النووى المبرم عام 2015 -المعلق حالياً- بالإستمرار فى لعبة إلقاء اللوم.
وقال كبير المفاوضين الإيرانيين على باقرى كنى على تويتر: بعض الأطراف الفاعلة ما زالت تمارس عادة لعبة القاء اللوم بدلاً من الدبلوماسية الحقيقية. طرحنا أفكارنا مبكراً وعملنا على نحو بناء ومرن لتضييق الفجوات:
وفى ورقة بحثية نشرها مايكل سينغ المدير الإدارى لمعهد واشنطن للدراسات، قال إن تشدد إيران فى المفاوضات الحالية يعكس تدنّى إحترام حكومة الرئيس ابراهيم رئيسى المتشددة لإتفاق عام 2015. وأضاف سينغ أنه من المحتمل أن تكون إيران قد إستنتجت من السنوات الأربع الأخيرة أن تخفيف العقوبات ليس أمراً جيداً بقدر ما تمّ تصويره - لأن الشركات الأجنبية كانت مترددة فى إعادة دخول إيران حتى عندما كانت خطة العمل الشاملة المشتركة سارية المفعول ولأنه كان من السهل جداً على الولايات المتحدة أن تلغى الإتفاق من جانب واحد فى عام 2018.
وقد يشك رئيسى أيضاً فى إستعداد إدارة بايدن لتنفيذ العقوبات فى غياب إتفاق، ويعقد آمالاً كبيرة على علاقة إيران المتنامية مع الصين التى يأمل أن تكون ثقلاً موازناً بوجه الضغط الإقتصادى الأمريكى.
ويشدد الدكتور نبيل خورى نائب السفير الأمريكى فى اليمن سابقاً على أن إيران لا تريد الحرب رغم أنها تتوقعها منذ فترة طويلة وهذا ليس بجديد. لكننا لا يمكن أن نقول إنها تعمل من أجل الحرب. بيد أن تصرفات إيران ناتجة عن 4 سنوات من الركود الدبلوماسى خلال عهد ترامب الذى إعتقد أن خروج الولايات المتحدة من الإتفاق النووى هو إشارة قوة لكن الواقع يقول عكس ذلك، لأن الخروج من الإتفاقية سمح لإيران بأن تزيد من التحضيرات النووية والعودة الى رفع نسبة تخصيب اليورانيوم دون وجود رقابة بحسب ما قال لـ DW عربية خلال حوار هاتفى. ويرى خورى أيضاً أن هناك خلافاً كبيراً بين الصقور والحمائم فى إيران، فالإدارة الحالية المتشددة ترى أن الإدارة السابقة فشلت وأن كل المجهود الذى بذل خلال عهد أوباما أطاحت به إدارة ترامب، وبالتالى -ومن وجهة نظر إيرانية- لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة لأن الإيرانيين يرون أنهم عملوا بجهد شاق مع إدارة ثم جاء شخص آخر فى إدارة أمريكية جديدة والغى كل ما فعله الرئيس السابق.
وسائل الإعلام السعودية قالت إن جولة ولى العهد الأمير محمد بن سلمان الخليجية إستهدفت التأكيد على التضامن فى الوقت الذى تسعى فيه القوى العالمية لإحياء الإتفاق النووى مع إيران وسط حالة من عدم التيقن فى الخليج بشأن الدور الأمريكى فى المنطقة، كما أجرى رئيس الوزراء العبرى نفتالى بينيت محادثات مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبوظبى. وقال السفير الصهيونى لدى الإمارات إن المسألة الإيرانية كانت مطروحة على جدول أعمال المباحثات.
ويرى خورى أن إستمرار الجهود الدبلوماسية والتى إرتفعت وتيرتها أكثر بكثير من فترة حكم دونالد ترامب، يعنى وجود أمل وإن كان ضئيلاً لكن علينا أن نعرف أنه لا شئ يعلن فشل الجهود الدبلوماسية الا الحرب والعمليات العسكرية التى تبدأ فور فشل الحلول السياسية .
ويضيف الدبلوماسى الأمريكى السابق أنه فى بداية عهد بايدن كانت هناك آمال لإعادة المفاوضات مع إيران والعودة الى الإتفاق النووى وسط أجواء من التفاؤل توجت بتعيين روبرت مالى كمبعوث خاص للمحادثات مع إيران وكانت الخارجية الامريكية بأكملها تتحرك فى هذا الموضوع وهو أحد أهم الملفات لدى الإدارة الحالية.
ويتابع خورى أن هذه الدبلوماسية وحدها لم تصل الى نتيجة والدلائل تقول إن هناك تأزم فى المحادثات بفيينا وقد نصل لطريق مسدود لكننا لم نصل اليه بعد والمحاولات الدبلوماسية لا تزال مستمرة.. هذا الإدارة لم تصل بعد الى إستنتاج فشل الدبلوماسية لكن توقعات المراقبين والمحللين تقول إننا فى هذا الإتجاه.
ويرى خورى أن هناك تأرجحاً فى المواقف بين الإمارات والسعودية حيال إيران فهناك دعوات لإتخاذ وسائل ضغط أقوى على طهران مع خوف الخليجيين على إختلاف توجهاتهم من وقوع حرب. بيد أن الإمارات وضعت نفسها فى مكانة إقتصادية وسياسية فى المنطقة، خاصة بعد العلاقة التى بدأتها مع الكيان الغاصب لكنها لم تصل بعد الى درجة من الثقة تؤهلها للدخول فى حرب مع إيران حتى الى جانب الولايات المتحدة والصهاينة فهم - الخليجيون وخصوصا الامارات - يرون أن حرباً من هذا النوع ستدمر كل التقدم الإقتصادى والتجارى الذى أنجز خلال العشرين عاماً الماضية.
يقول مايكل سينغ المدير الإدارى لمعهد واشنطن للدراسات فى ورقة بحثية إن السعودية السنية وإيران الشيعية تنخرطان فى تنافس على مد النفوذ فى المنطقة والذى تجسد فى الحرب الدائرة فى اليمن وفى لبنان حيث أثار صعود نفوذ جماعة حزب الله المدعومة من إيران التوترات فى علاقات بيروت مع دول الخليج.
ويضيف أن الرياض وأبوظبى تتعاملان مع إيران لإحتواء التوتر، إذ تخشيان من طموحات طهران النووية وبرنامجها الصاروخى ومد نفوذها فى المنطقة. وتحركت أبوظبى بوتيرة أسرع لمد الجسور مع إيران وتركيا الى جانب التعامل مع سوريا بعد أن أقامت علاقات رسمية مع الصهاينة العام الماضى.
لكن كافة الأطراف تؤكد على أن المفاوضات لا يمكن أن تستمر الى الأبد ومن دون سقف زمنى. فبالنسبة للإدارة الأمريكية الحالية يبقى الخيار الأول هو الدبلوماسية ولكن بسقف زمني معين وليس لأجل مفتوح وأعتقد أننا بعد عام من المفاوضات قد وصلنا الى هذا السقف وربما نكون على أبواب إعلان فشل الدبلوماسية بحسب ما يقول الدكتور نبيل خورى. يضيف خوري أن الخيار الثانى هو زيادة الضغوط المتنوعة فإدارة بايدن لم تُلغ أياً من العقوبات التى كان قد فرضها ترامب على إيران بل بالعكس ربما تزيد منها وهذا الإختيار معناه زيادة العقوبات بأشكال مختلفة وأقوى لكن الفكرة هى أنه تم إستنفاد كل وسائل الضغط ضد إيران.
الخيار الثالث تحدث عنه الدكتور خورى وذكره أيضاً مايكل سينغ المدير الإدارى لمعهد واشنطن للدراسات ويتمثل فى سياسة تقليم الأظافر الإيرانية فى العراق واليمن ولبنان. ويرى نبيل خورى الدبلوماسى الأمريكى السابق أن إتجاهاً من هذا النوع فى المنطقة حالياً - وهى دعوات جاءت من حلفاء الولايات المتحدة فى المنطقة - سيجعلنا نخرج من طريق العقوبات وندخل فى خيار الحرب.
ويقول مايكل سينغ المدير الإدارى لمعهد واشنطن للدراسات إن إحجام إدارة بايدن عن القيام بالدخول فى حرب أمر واضح. فلا الديمقراطيون ولا الجمهوريون مهتمون بشكل خاص بصراع عسكرى آخر فى الشرق الأوسط، ومن المرجح أن يكون البيت الأبيض قلقاً من أن إصدار التهديدات قد يدفع الإدارة الإيرانية الجديدة المتشددة الى رفض المشاركة فى المساعى الدبلوماسية بسبب شعورها بالإهانة. ومع ذلك فللردع العسكرى الأمريكى الموثوق ثلاث مزايا تستحق أن تؤخذ فى عين الاعتبار:
أولاً: سيكون هذا الردع بمثابة رسالة الى إيران مفادها أن إمتلاك سلاح نووى قد لا يكون مكلفاً فحسب بل مستحيلاً أيضاً.
ثانياً: قد يقدم هذا الردع ضماناً لشركاء الولايات المتحدة فى المنطقة، كالسعودية أو الكيان الغاصب، الذين قد يشعرون بأنهم مضطرون الى التصرف ضد إيران بأنفسهم أو الإستثمار فى إمكانياتهم النووية الخاصة - إذا لم تتحرك الولايات المتحدة.
ثالثاً: من شبه المؤكد أن أى رئيس أمريكى بغض النظر عن إنتمائه الحزبى قد ينظر فى خيار العمل العسكرى إذا ما حصل على معلومات إستخباراتية عاجلة وذات مصداقية تفيد بأن إيران قررت المسارعة الى صنع سلاح نووى، نظراً للتهديد الذى قد تشكله تلك التطورات على الأمن القومى الأمريكى. لذلك من المفضّل حتى الآن أن تدرك إيران عواقب مثل هذا القرار بدلاً من إساءة فهم المخاطر والتحريض على صراع مع الولايات المتحدة بسبب خطأ فى الحسابات. فى هذا السياق يقول الدكتور خورى إن إستعمال القوة قد يكون على درجات ولا ضرورة لأن تندلع حرب مباشرة ويمكن أن يكون فى مناطق كاليمن أو لبنان أو العراق لكن الدخول فى هذا الطريق يعنى أنك تسير فى إتجاه الحرب المباشرة مع إيران آجلاً أم عاجلاً، إضافة الى أن الدولة العبرية تقترح ربما منذ 2010 توجيه ضربة مباشرة لإيران حمل نوعاً من اليأس خلال عهد أوباما لكن عاد الحديث حول الأمر خلال عهد ترامب الذى لم يكن يريد بدوره حرباَ مع إيران.
ويقول خورى إن هناك إعادة تفكير فى مسألة الحرب خاصة من جانب الدولة الصهيونية وأن "المحادثات بين وزيرى الدفاع الأمريكى والعبرى تشير الى أن هناك إعادة تحديث للخطط الموجودة للحرب مع إيران وهى خطط ربما تعود الى 10 أو 12 عاماً مضت، بالتالى هى تحتاج الى تحديث فى الفترة الحالية، خاصة مع تغير مستويات القوة لدى الجميع بما فيها إيران نفسها
ويشير خورى الى أن الحرب غير المباشرة مستمرة ضد إيران منذ ما يقرب 10 سنوات أو أكثر، "تتمثل فى قتل وإغتيال عملاء وعلماء نوويين واغتيال شخصيات عسكرية إيرانية ومناوشات بحرية خصوصاً المناورات الأخيرة فى البحر الأحمر والتى إشتركت فيها الإمارات ما إعتُبر رسالة تحذير تلقتها إيران كعلامة خطر.
ويرى مراقبون أن دول الخليج يتنازعها أمران: الأول محاولة إقناع إيران بإتخاذ بعض الخطوات لإرضاء الغرب والسعودية والثانى محاولة إتخاذ موقف قوى تجاه إيران.
ويعتقد الدكتور خورى أن الخليج يخشى للغاية من الحرب، فالمشكلة فى الحرب مع إيران ليست أبداً فى الأيام الأولى، إذ إنه فى البداية قد تدمر القدرات النووية والعسكرية والبنية التحتية الإيرانية، لكن ماذا سيحدث بعد ذلك؟.
يجيب خورى بالقول: ستقوم إيران بالرد بكل تأكيد وستدفع بعملائها فى عدد من الدول فى المنطقة وتنفذ تفجيرات وتهدد كافة المنشآت الإستراتيجية بل وحتى قد تهدد السفارات الأمريكية، ما قد يسبب دماراً هائلاً فى المنطقة قد يستمر لعشر سنوات على الأقل لذا أعتقد أن تواصل الإماراتيين مع إيران مؤخراً كان بهدف عدم الوصول الى نقطة اللآعودة.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق