الثلاثاء، 11 يناير 2022

التطليق بين الشريعة الاسلامية والتشريع الوضعى

 متابعة إعلامية /أيمن بحر

يصادف هذا العام مرور نحو 30 عاماً على ظهور مصطلح النسوية الإسلامية للمرة الأولى. وقد رافق المصطلح منذ بدايته الكثير من الجدل والتساؤلات والإتهامات بالتناقض. فما هى النسوية الإسلامية؟ وكيف نشأت؟
وماذا تقدم للنساء المسلمات؟
وما موقعها من النسوية العالمية؟ قبل الحديث عن النسوية الإسلامية، ربما كان من الأحرى أن نتطرق أولاً الى مفهوم النسوية وأهدافها كحركة وفكر ورسالة بدأت فى الغرب.
يعتبر كثير من الباحثين أن النسوية التى ظهرت فى الغرب فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين جاءت كرد فعل على نظام بطريركى أبوى رسخ للثقافات السائدة التى حملت صورة سلبية عن المرأة، الأمر الذى إنعكس فى واقع إجتماعى محتقن بالتمييز ضد المرأة والتقليل من شأنها وإهدار حقوقها، واقع فاقم منه النظام الرأسمالى وقسوته الإقتصادية.
وفى التأريخ للنسوية يتم الحديث عادة عن عدة موجات متتالية تبدأ منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى الآن. الموجة الأولى من النسوية ركزت على المطالبة بحقوق قانونية مثل حق المرأة فى التصويت، فضلاً عن حقها فى ظروف عمل عادلة.
وفى حين كانت الموجة الثانية أكثر عمقاً فى طروحها بتركيزها على قضية النوع الإجتماعى وما يرتبط به من أبنية التمييز ضد المرأة والعنف ضدها فى سائر المستويات وعبر المجالين الخاص والعام، الموجة الثالثة كانت وقفة مع النسوية نفسها وما تعنيه وما قد تعبر عنه من تمايزات داخلية كما إهتمت بفكرة طبقات الإضطهاد بمعنى أن النساء قد يعانين من تمييز بسبب الجنس والعرق والطبقة معا.
الموجة الرابعة إمتداد لمنهج التنويع والتحرر من أى قوالب نمطية مسبقة مرتبطة بالفكر النسوى فى ذاته. تصف الدكتورة هند مصطفى الشلقانى الباحثة المتخصصة فى دراسات المرأة هذه الموجة بأنها تمعن فى المطالبة بحقوق المهمشين والعابرين جنسياً وتتحدث عن حقوق الرجال والأولاد أيضاً فى تجاوز القوالب المفروضة عليهم وتتحدث عن إستخدام التكنولوجيا الحديثة فى تحقيق المساواة. ولكن الدكتورة هند الشلقانى تضيف أنه رغم هذا التأصيل التاريخى للنسوية الذى يمتد على مدار نحو قرن ونصف، فإن مصطلح النسوية الذى نعرفه اليوم هو مصطلح حديث إرتبط بتيار بحثى أكاديمى ظهر فى الجامعات الغربية منذ نهاية الستينيات وبداية السبعينيات وعنى بإعادة القراءة وإعادة التفكير وإعادة النظر فى التاريخ لكشف المركزية الذكورية التى همشت النساء وحرمتهن حقوقهن وأنكرت إسهاماتهن وفعالياتهن وأيضا كشف الهيمنة الذكورية على عمليات بناء المعرفة والعلوم عبر التاريخ.
فى كتابها الجنس الآخر (1949)، تقول الفرنسية سيمون دو بوفوار، الأم الروحية للموجة الثانية من النسوية الغربية والتى ركزت على الجندر: لا يولد الشخص إمرأة. إنه يصبح كذلك. ربما كشفت هذه المقولة عن الدور الكبير الذى تلعبه التنشئة الإجتماعية فى أن تصبح البنت بنتاً، فضلاً عن القوانين والشرائع والقيم الأخلاقية وسطوة العادات والتقاليد التى تنظم العلاقات بين الجنسين فى المجتمع.
هناك الكثير من التوصيفات لمفهوم النسوية والتيارات المختلفة التى تنضوى تحت لوائها، لكن يبقى المضمون الأساسى للكلمة هو كل الأفكار المتعلقة بقضايا المرأة والتى ترمى الى إنهاء كافة أشكال اللآمساواة والقهر على أساس النوع.
تقول سارة غامبل في كتابها "النسوية وما بعد النسوية (Feminism and Post-Feminism) إن تأثير النسوية سواء كانت حركة أم نظرية أم فلسفة إمتد الى ما وراء العالم الغربى ليصل الى مختلف أرجاء العالم، حيث حاول البعض إخراجها بصورة جديدة تتلاءم مع خصوصيات المجتمعات والثقافات المستقبلة لها.
لطالما كانت النسوية من أكثر الحركات إثارة للجدل فى مختلف أنحاء العالم. وتباينت ردود الفعل عليها في العالم الإسلامى، ما بين مَن أيد الدعوة الى تحرير المرأة ومَن رفضها تماماً. ولم ينقطع الجدل حول ما إذا كانت تتماشى مع مبادئ الإسلام أم لا.
يتحدث عدد من الباحثين عن ظهور النسوية الإسلامية فى بداية تسعينيات القرن العشرين فى أفريقيا الجنوبية كإحدى الأسس الفلسفية والسياسية لحركة الإسلام التقدمى المناهض لنظام الفصل العنصرى.
وتزامن ظهور مصطلح النسوية الإسلامية مع صدور مجلة زنان (تعنى امرأة بالفارسية) فى إيران عام 1992، والتى أسستها الصحفية شهلا شركت، التى تعتبر من رائدات حقوق المرأة فى طهران.
وإستخدم المصطلح من قبل العديد من الباحثات والكاتبات أمثال الأمريكية مارغو بدران، فى أواخر تسعينيات القرن الماضى وبداية الألفية الثانية، بإعتباره مقابلاً للنسوية الغربية.
وبرزت أسماء لآمعة محسوبة على تيار النسوية الإسلامية فى المهجر، أو الدياسبورا الغربى من أمثال أمينة ودود (من أصول أفريقية) وأسماء برلاس (باكستانية)، حيث برزت رغبة لدى هؤلاء فى الإحتفاظ بالمكتسبات النسوية دون الإخلال بحريتهن الدينية.
ورغم ظهور المصطلح فى التسعينيات، فإنه ليس جديداً فى مضمونه ودلالته. فقد شهدت المجتمعات الإسلامية وعياً وحراكاً نسوياً منذ القرن التاسع عشر، قادته رائدات من أمثال الكاتبة المصرية عائشة تيمور (1840-1902) التى إتسم خطابها بنسوية ذات طابع إسلامى، والتى تحدثت فى كتابها "مرآة التأمل فى الأمور عن أن النظام الإسلامى لا يشجع على التمييز، بل إنه قائم على العدل والإنصاف.
هناك أيضاً الرائدة النسوية ملك حفنى ناصف (1886-1918) المسماة باحثة البادية والتى تحدثت فى كتابها "النسائيات عن قضايا تحرير المرأة والمطالبة بحقوقها.
تحدث الباحثون عن أن هناك أسباباً عديدة لظهور النسوية الإسلامية، منها ما يشبه الى حد كبير أسباب ظهور الحركة النسوية فى الغرب - كسيادة الأنظمة الأبوية وتحجيم دور المرأة فى المجتمع، وما تتعرض له المرأة من قهر على أساس دينى وإجتماعى.
ومنها ما يتعلق بخصوصية المجتمع الإسلامى والتى ترى الدكتورة هند الشلقانى أن أبرزها "شعور النساء بقلق الحرية/الهوية ضمن نظام فكرى يشوبه الإستقطاب بين الخطابات الدينية المتشددة التى لها قراءات متطرفة حول مكانة و أدوار النساء فى المجتمع من ناحية وبين الخطابات الحداثية التى ترى أن الوسيلة الوحيدة لتحرر المرأة هى التحرر من الدين.
وقد رأت طائفة من النساء أن هناك طريقاً ثالثاً يحقق لهن حريتهن كنساء، وحريتهن فى الإنتماء الثقافى والدينى للإسلام.
فى تعريف النسوية الإسلامية، تقول الدكتورة أميمة أبو بكر أستاذة الأدب الإنجليزى المقارن بجامعة القاهرة، والعضوة المؤسسة بمؤسسة المرأة والذاكرة ومنتدى النسوية الإسلامية إنها مشروع بحثى فكرى يهدف الى إنصاف النساء وتحقيق العدالة لهن والمكانة الإنسانية المتساوية من خلال المرجعية الإسلامية وإستلهام أو تفعيل المبادئ الأخلاقية العليا للقرآن والسنة الصحيحة.
وعن وسائل إنجاز ذلك، تقول دكتورة أمانى عبد الرحمن صالح، أستاذة العلوم السياسية المساعدة ورئيسة جمعية دراسات المرأة والحضارة والباحثة فى النسوية من منظور إسلامى، إن النسوية الإسلامية تنخرط في المرحلة الحالية فى عمليتين: تأويل النصوص المقدسة (القرآن والسنة) من منظور غير ذكورى وغير معاد للنساء، ونقد التراث (الممثل فيما هو دون القرآن والسنة من علوم إسلامية) لغربلة عناصر الإنحياز الموجودة وكشف جذورها الثقافية والتاريخية النسبية ما يفتح الباب أمام إجتهادات معاصرة تخلو من الإنحيازات.
وبسؤال كل منهما عن موقع النسوية الإسلامية من خارطة الخطابات الراهنة التى تتناول قضايا المرأة فى المنطقة العربية - كالتيار الإسلامى والتيار الليبرالى، تتفق الدكتورة أميمة أبو بكر والدكتورة أمانى صالح وكلاهما لها إسهامات بحثية مهمة فى هذا المجال على أن للنسوية الإسلامية فضاءها الخاص الذى تتحرك فيه، ويصعب الحاقها كلية أو تصنيفها تحت التيارات الفكرية والسياسية المعروفة بالكامل بحسب تعبير الدكتورة أميمة .
وترى رائدات تيار النسوية الإسلامية أنه ليس جزءاً من التيارات الإسلامية السائدة "التى تتسم جميعا بنزعتها الماضوية وتبعيتها غير النقدية للتراث بما فى ذلك إتجاهاته الذكورية المستضعفة للمرأة على حد وصف الدكتورة أمانى صالح.
كما أن ذلك الفكر يختلف مع التيار الليبرالى المنادى بحرية المرأة الذى يتبع التجربة الغربية ولديه من ثم قناعة بأن التحديث يقتضى الخروج عن الدين أو تقييده فى حيز الممارسات الطقوسية الشخصية.
تعتبر النسويات المسلمات أن مشروعهن يقدم وسيلة للإشتباك النقدى مع ذكورية التراث التفسيرى والفقهى بهدف ترشيده وتقويمه وتصحيح مساره ليتناسب أكثر مع المفاهيم والقيم القرآنية والعدل الإلهى كما تقول الدكتورة أميمة أبو بكر.
كما يعتبرن أنه يقدم، وفق الدكتورة أمانى صالح، إجابة لحاجة أساسية فى حياة النساء المسلمات وهى كيف يمكن الوصول الى صيغة تحفظ للمرأة المسلمة هويتيها المتلآزمتين: أن تعيش كامرأة إنسانة ذات كرامة وحقوق إنسانية وإجتماعية وأن تحفظ فى ذات الوقت هويتها الإسلامية أو كما تقول الدكتورة أميمة أبو بكر ليس بالضرورة أن نرفض الدين والإيمان لنكون نسويات، أو نرفض المنظور النسوى لنكون مؤمنات ملتزمات.
تقول الكاتبة والأكاديمية كريستين أون إنها عندما كانت تقوم هى والكاتبة كاثرين ردفرين بالإعداد لكتابهما Reclaiming the F Word: The New Feminist Movement" الذى يتناول ما وُصف بإنبعاث النسوية من جديد فى القرن الحادى والعشرين إنهما طرحتا بعض الأسئلة على نحو 1300 نسوية بريطانية، كان من بينها سؤال عن آرائهن الدينية فوجدتا من خلال الإجابة أن تلك النسويات، مقارنة بعامة النساء البريطانيات، أقل إيماناً بالأديان.
وليس سراً أن الكثير من النسويات، قديماً وحديثاً، وسواء فى الغرب أم الشرق، يرين أن الأديان تضطهد المرأة وتعارض حريتها أو على الأقل إستُغلت وفُسرت لتكريس إضطهاد المرأة فى إطار مجتمع ذكورى بطريركى.
الكاتبة النسوية المصرية البارزة نوال السعداوى على سبيل المثال، ترى أن المشكلة فى النصوص الدينية وليس فى تأويلها، وهى وجهة نظر تتفق معها فيها الكاتبة البنغلاديشية تسليمة ناسرين التى ترى أنه "ليس هناك دين يعامل المرأة بوصفها كائناً مساوياً للرجل.
ومن ثم، يرى كثيرون من المحسوبين على التيارات الليبرالية العلمانية أن هناك تناقضاً فى المصطلحات بين النسوية والإسلام.
كما أن التيارات الأصولية الإسلامية ترى أن النسوية تتعارض مع التعاليم الإسلامية، وترفض ما تعتبره تشكيكاً فى التفسيرات الدينية. ورداً على إتهامات تضارب المصطلحات، تقول دكتورة أمانى صالح إن الغاية وراء هذه الإتهامات أيديولوجية: حيث يريد التيار الأصولى تخيير النساء إما أن تكونى مسلمة أو تكونى إمرأة لها حقوقها المتساوية وفاعلة فى المجتمع.. ولكى تكونى مسلمة صالحة وتبقى فى حياض الإسلام فعليك أن تقبلى بكل التفسيرات الذكورية للقرآن والسنة وأن تقبلى واقع الخضوع والرضوخ والتبعية للرجال التى قدمها التراث.
على الجانب الآخر تسعى التيارات المتغربة على إختلافها ...الى تأكيد هذا التناقض بين الإسلام وحقوق وكرامة النساء لسلخ قطاع آخر من النساء عن قاعدتهن الثقافية بإقناعهن بأن تمكين ومساواة النساء وفاعليتهن لا يمكن أن تتصالح مع الدين وأن سبيلها الوحيد هو تحييد الدين تماماً.
وتضيف أن النسوية الإسلامية تقدم طرحا ثالثاً، مفاده أن النساء يمكن أن يحتللن مكانتهن المتساوية إنسانياً واجتماعياً وثقافياً من داخل الإسلام، بل وبتأصيل إسلامى من خلال إعادة تاويل النصوص وفهمها بعقلية تخلو من الذكورية.
إذا كان إنصاف النساء وتحقيق العدالة والمكانة الإنسانية المتساوية لهن هو هدف مشترك بين الحركات النسوية فهل يمكن تسكين النسوية الإسلامية داخل حركة نسوية عالمية أعم، وهل يمكن الحديث عن تواصل أو إستفادة متبادلة؟
تقول الدكتورة أميمة أبو بكر إنه من الممكن أن يكون هناك تواصل وإستفادة متبادلة بين النسوية الإسلامية والنسوية العالمية غير الكولونيالية أو العنصرية، خاصة الحركات النسوية فى الجنوب العولمي ضد سياسات الإفقار والإمتيازات والإستغلال والتمييز العنصرى. المهم الا يكون هناك علاقة هيمنة أو استعلاء.
أما الدكتورة أمانى صالح فترى أن ما يسمى بالنسوية العالمية ليس كياناً واحداً، وإن كان أغلبه يقع ضمن سياق الفكر الغربى بتياراته الليبرالية والإشتراكية وما بعد الحداثية.
وتنتقد الدكتورة أمانى التيارات النسوية الغربية التى تصفها بأنها مريضة مرضاً ثقافياً بثنائية الأنا والآخر وهى تصنف النسويات الأخرى من موقعها فهى نسويات ملونة أو إثنية من منطلق الذات الغربية البيضاء العلمانية. وتضيف: ومع ذلك فالنسوية الإسلامية وبحكم إنتمائها لهذا العصر هى نسوية منفتحة، مثلما تنفتح على التراث مع ممارسة النقد وكشف الإنحيازات فيه فهى أيضاً تنفتح على الفكر النسوى المعاصر مع ممارسة النقد الشديد له... نعم نأخذ منهم ونترك بوعى نتحاور إذا أرادوا الحوار دون إستعلاء أو فرض أفكار.
قد تكون صورة لـ ‏‏شخص واحد‏ و‏جلوس‏‏

٠ تعليق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق