الأربعاء، 30 مارس 2022

حكايات عرب بالكيان الغاصب الذين إنضموا لتنظيم الدولة الإسلامية

 متابعة /أيمن بحر

في حديث مع اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي والخبير الأمني ومكافحة الإرهاب يقول بعد أربعة أعوام من المعارك الطاحنة ضد تنظيم الدولة الإسلامية فى سوريا والعراق وبينما كان التنظيم يلفظ أنفاسه الأخيرة فى مخيم الباغوز عند الحدود السورية العراقية كان المئات من مقاتليه والآلاف من عائلاتهم يستسلمون بعد أن حوصروا فى آخر معقل لهم.
وتحت أنقاض دولة الخلافة التى خلفوها وراءهم، دفنت آلاف القصص والأسرار التى لم تروَ، والتى بدأت تتكشف بعض تفاصيلها بعد أن وضعت الحرب أوزارها ومن بينها حكاية من انضم للتنظيم من عرب الكيان الذين تثير مسألة إنضمامهم الكثير من الأسئلة بالنظر الى خصوصية وضعهم المرتبط منذ عقود بحيثيات الصراع الفلسطينى الإسرائيلى.
فى أقصى شمال غربى سوريا وفى مقر أمنى داخل مدينة الحسكة التى تتقاسم السيطرة عليها قوات الأمن السورية ووحدات حماية الشعب الكردية سمح لفريق بى بى سى بلقاء أحد أعضاء التنظيم المعتقلين منذ بضعة أشهر من قبل القوات الكردية.
يتحدر الشاب سياف شريف داود البالغ من العمر 29 عاماً من قرية كفرا برا ويحمل الجنسية اليهودية وبدا بصحة جيدة حين نقل من السجن لمقر أمنى لإجراء اللقاء. ينفى سياف أن يكون قد وقع تحت تأثير أى طرف لإتخاذ قراره بمغادرة الدولة العبرية الى سوريا رغم تشديده على أنه حديث العهد بالتدين ويقول إن الدافع وراء توجهه الى سوريا فى مطلع عام 2015 كان الدفاع عن النساء والأطفال السوريين ضد نظام الرئيس بشار الأسد وليس للإنضمام لتنظيم الدولة الذى كان فى أوج قوته ويسيطر على مساحات واسعة بين سوريا والعراق، تمتد من حدود سامراء الى أطراف حلب.
غادر سياف إسرائيل من مطار بن غوريون فى تل أبيب الى إسطنبول ومنها الى أورفة على الحدود السورية التركية، ليعبرها فى اليوم التالى بإتجاه مدينة تل أبيض التى كانت تحت سيطرة التنظيم آنذاك، وعلى الفور أُخضع لدورة شرعية وتدريب عسكرى لكنه أُلحق بالقطاع الطبى بالنظر الى تعرضه لإصابة قديمة فى الرأس بحسب ما قال.
وكان العشرات من عرب الدولة العبرية بينهم بعض النساء قد التحقوا بالتنظيم فى ذات الفترة التى شهدت إقبالاً كبيراً من قبل متطرفين من الكثير من دول العالم للإلتحاق بمشروع البغدادى. ويؤكد سياف أن الكثيرين منهم عادوا الى الدولة العبرية بعد فترات متفاوتة امضوها فى سوريا وأنه كان يعتزم الهرب من التنظيم والعودة أيضاً بعد نحو عام على إنضمامه لهم، خاصة وأن الشكوك بحملة الجنسية اليهودية إزدادت بعد إدعاء التنظيم فى إصدار خاص إكتشاف جاسوس للموساد بينهم وإعدامه برصاصة بالرأس على يد طفل. ‫يقول سياف إنه حاول بعدها الهرب والعودة الى الدولة العبرية لكنه إعتقل من قبل أفراد أمن التنظيم، الأمر الذى دفعه للزواج لدرء الشبهات عنه.
وكغالبية المهاجرين فى التنظيم لم يفكر كثيراً فى الجنسية التى ستحملها طفلتاه اللتان انجبتهما زوجته السورية.وعادة ما يعتقل التنظيم من يحاولون الهرب من مناطق سيطرتهم لفترات قصيرة كعقوبة أولية لكنهم يلجأون الى قتل من تتكرر محاولاتهم.
يقول سياف إنه نجح فى الهرب مع عائلته عام 2018 الا أنه فقد الإتصال بالجميع.
بعد إعتقاله وفصله عنهم عنوة من قبل مقاتلى عشيرة الشعيطات وهم فصيل يتبع ما يعرف بالجيش السورى الحر، قتل تنظيم الدولة المائات من أبنائهم حين سيطر على مناطق نفوذهم فى ريف دير الزور عام 2014.
منذ ذلك اليوم لم تصل سياف أى اخبار عن زوجته وطفلتيه كما لم يستطع التواصل مع عائلته فى الكيان الغاصب لكنه نجح بعد أربعة أشهر فى الفرار من سجن مقاتلى الشعيطات وتسليم نفسه لوحدات حماية الشعب الكردية التى إعتقلته وأودعته سجناً فى مدينة الحسكة حيث يقبع منذ نحو عام.
بدأحديث سياف صادماً حين سألته عن سبب مجيئه لسوريا وعدم الإنضمام الى أى من التنظيمات الفلسطينية إذ أشاد الشاب بدولة اليهود بإعتبارها دولة ديمقراطية وإنه إرتكب خطاً جسيماً بإنضمامه لتنظيم الدولة وانه كان يسعى للعودة الى بلدته فى الدولة العبرية بعد التواصل مع الإستخبارات اليهودية عبر شقيقه قبل ان يهرب ويعتقل.
‫يمثل سياف الكثير من شبان عرب الكيان الذين التحقوا بالتنظيم بدون خلفية دينية. وقد عدت الى مسقط رأسه فى محاولة لفهم أسباب هذه الظاهرة.‬
يقول ليور أكيرمان المسئول السابق فى جهاز الامن العبرى شين بيت إن الظاهرة ظلت محدودةً ومسيطراً عليها وان نحو سبعين شخصاً من عرب الكيان غادروا للقتال مع داعش فى سوريا خلال السنوات الماضية عاد منهم نحو خمسين إعتقلوا جميعهم وإستجوبوا وحكوموا وسجنوا.
و‫تقدر أجهزة الامن العبرية تعداد من لم يعد بنحو خمسة وعشرين شخصاً، بعضهم تأكد مقتله، وبعضهم الاخر معتقل فى سجون قوات سوريا الديمقراطية او عالق فى مخيماتها. وترفض الدولة العبرية التدخل لإعادتهم، ليس فقط لأسباب أمنية وإنما لعدم وجود علاقات رسمية بينها وبين الحكومة السورية و معلنة مع وحدات حماية الشعب الكردية.
وسيطر تنظيم الدولة على منطقة حدودية محاذية للكيان لنحو ثلاثة أعوام عند الحدود مع الجولان السورى المحتل الا انه لم تسجل اي محاولات من قبل مقاتليه لإستهداف الكيان.
‫يقول المسئول السابق فى الشين بيت إن هذا الامر لم يشكل أولوية للتنظيم طيلة الاعوام الماضية وإنهم حددوا منذ البداية اجنداتهم لتدمير دول مسلمة وبعد ذلك إنجاز هذا الهدف يتم التفرغ لقتال الكيان فأهم واكبر خطر يشكله الكفار فى الشرق الأوسط هم المسلمون العلمانيون بالنسبة اليهم بحسب ما يقول إكيرمان.‫
‫‬‫ترفض العائلات العربية التى إنضم احد ابنائها لتنظيم الدولة الحديث عن الامر لما قد يسببه لها من مشاكل امنية وإجتماعية في الكيان. ‬
فى البلدة الصغيرة التى لا يتعدى تعداد سكانها ثلاثة آلاف نسمة يوجد ثلاثة مساجد سميت بأسماء الخلفاء الأوائل الذين حكموا بعد النبى محمد. يقول الشيخ رائد عاصى إمام مسجد عثمان بن عفان إنه عرف سياف عن قرب وان الشاب بدأ بالتردد على المسجد حين ظهرت عليه بعض مظاهر التدين قبل ان يغادر البلدة الى سوريا بعد فترة وجيزة فى خطوة ما كان ليتوقعها ابداً بالنظر الى خلفية الشاب.
طبيعة التدين فى بلدة كفر برا وسطى لا يميل الى التشدد، والعشرات من شبانها غارقون فى مشاكل تمتد من المخدرات الى الجرائم على إختلاف انواعها.
بعد محاولات حثيثة قبلت عائلة سياف إستقبالنا وتم ترتيب اللقاء فى منزل جده وبحضور خاله وإثنين من أشقائه وعرضت على العائلة بداية مقاطع من المقابلة التى اجريناها معه.
مضت أعوام على اخر مرة شاهد فيها أى شخص من افراد العائلة صورة لسياف وبدا خاله فاروق غير مصدق الامر رغم مرور أعوام على إنضمام الشاب للتنظيم وبدا ‫شقيقه حذيفة حريصاً على إنتقاء مفرداته بدقة لئلا يؤثر حديثه على محاولاته مع السلطات العبرية لجلب شقيقه من سوريا.‬
وأكد شقيقه حذيفة ان سياف كان تحت تأثير ضغوط كبيرة قبل ان يقرر المغادرة الى سوريا وعرض علي الكثير من الصور التى تثبت ان شقيقه كان يعيش حياة طبيعية كأى شاب عربي فى الكيان، وانه كان مدمناً على المخدرات وخضع لعلاج فى مكان مغلق إمتد لنحو عام أدى لتغيرات كبيرة في شخصيته.
‫أخبرت حذيفة ان سياف فقد الإتصال بزوجته وإبنتيه خلال رحلة الهرب من التنظيم ففوجئت بانه على اطلاع على القصة وانه على تواصل مع زوجة اخيه التى إستطاعت الهرب الى تركيا والإتصال به. وارسل لى مقطعاً مصوراً بهاتف نقال لابنتى سياف اللتين لا تحملان أى جنسية بالنظر للقانون السورى الذى لا يسمح للأم بمنح جنسيتها لأبنائها. نظرياً الجنسية الوحيدة التى يفترض ان تحصلا عليها هى الجنسية العبرية.‬
يقول حذيفة ان العائلة كلفت محامياً يهودياً حين علمت بان سياف على قيد الحياة لإقناع السلطات العبرية بجلب شقيقه من سوريا وأن ثمة خطرا على حياته إن تم تسليمه للقوات الحكومية السورية او فصائل الحشد الشعبى او الجيش العراقى، ويطالب بتطبيق القانون على شقيقه بإعتباره مواطناً عبرياً بغض النظر عن كونه عربيا.
يتحفظ حذيفة على بعض التفاصيل ربما لإعتقاده أنها قد تضر بوضع سياف فشقيقه الآخر ياسر مسجون لدى الكيان بتهمة نشر افكار متطرفة وخاله الآخر باسل، اعتقلته اجهزة الأمن العبرية من تايلند بنفس التهمة وأطلق سراحه بعد عامين ونصف.
بعد البحث والتقصى إتضح أن غالبية من عاد ممن التحق بالتنظيم قد اطلق سراحهم بعد إعتقال إستمر لفترات متفاوتة. ويتابع المحامى من عرب الكيان باسل درواشة الكثير من هذه الحالات وكلف مؤخراً بملف سياف.
يقول إن الكيان تدرج فى طريقة التعاطى مع هذه الظاهرة منذ بدايتها وانها لم تمانع في البداية مغادرة من يحملون افكاراً متطرفة الى سوريا والعراق على إعتبار أن من يخرج لن يعود لكنهم تدخلوا بشكل جدى مع إزدياد الظاهرة وتم تشديد العقوبات من سنة لتصل فى بعض الأحيان إلى خمس أو ست سنوات.‬
‫ولعب بعض أعضاء الكنيست العرب والشخصيات النافذة فى الكيان دوراً فى ترتيب عودة الكثير ممن التحقوا بالتنظيم وهو ما لم يحدث بعد فى حالة سياف وإمرأة أخرى من الطيبة لا تزال عالقة فى مخيم الهول.‬ ‫لكن لم تتضح بعد أسباب إتساع هذه الظاهرة في الكيان بالتزامن مع سيطرة التنظيم على مساحات كبيرة من سورية والعراق بين عام ٢٠١٤ و٢٠١٥.‬
‫يؤكد دراوشة انه لا يمكن تبسيط الأسباب التى أدت لذلك لأن من التحق بالتنظيم من الكيان ينحدرون من مناطق مختلفة وكل منطقة لها اشكالياتها ويوضح ان قيادات عربية طالبت الأجهزة الأمنية والحكومة العبرية بتشكيل لجنة تحقيق للإجابة على تساؤل لماذا يلتحق العربى داخل الكيان فى صفوف داعش؟.‬
‫‬ويعتقد فاروق عاصى خال سياف إن الكثير من الشبان إنتهى بهم المطاف الى الإلتحاق بالتنظيم بسبب السياسات العبرية تجاه المجتمعات العربية وان إنتشار المخدرات والسلاح والجريمة بدون حسيب ولا رقيب هو أحد مظاهر هذه السياسة ويرى بان أسباب إنضمام العشرات من الشبان للتنظيم لا يعود لأسباب دينية، وإنما بسبب الإحباط.
‫المسئول السابق فى الشين بيت ليور أكيرمان لا يخالف خال سياف فى اهمية مسألة الإحباط دون ان يوافقه على مسئولية الكيان. ويعترف أن الدافع وراء إنضمام العديد لتنظيم الدولة لم يكن دينياً فى غالبية الاحيان كما لم يكن لأسباب وطنية كما لو كانوا يريدون القتال ضد الكيان أو الصهيونية.‬
‫ويقول خال سياف إن الكيان لديه القدرات لإنقاذ الوضع لكنه لا تفعل ذلك وليست معنياً بذلك ايضاً.‬
ويخالف سياف رأى خاله بطريقة صادمة حين قال إنه يأمل بالعودة الى الكيان بعد هذه التجربة الكارثية التى مر بها طيلة الأعوام الأربعة الماضية ويقول إن الكيان بلد ديمقراطى يحترم حقوق الإنسان مشيداً بالمساواة بين اليهود والعرب.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق